Du Transfert à la Création
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
Genres
53
ثم يعرض الفارابي بعد ذلك أجزاء العلم الطبيعي وهي نفس موضوعات كتاب «المقولات» في المنطق على مستوى الحس وليس على مستوى العقل مما يدل على وحدة العقل والطبيعة. يشهد الحس بكثرتها. وكثرتها على ضربين: كثرتها في المكان بشهادة الحس، وكثرتها في الحس لدرجة التضاد. الأولى في الموضوع والثانية في الذات من خلال المحسوسات. فيصبح الموضوع حالة للحس. سمي الموضوع الجوهر، والموضوع المدرك من خلال الحواس الأعراض مثل الموضوع والمحمول. وتتعاقب الأعراض على الحواس وتصبح تسعة: الكيف، والكم، والزمان والمكان، والجهة، والإضافة، والفعل، والانفعال، والملكية. والأعراض إما ذاتية وهي الجواهر الأولى أو عرضية وهي الجواهر الثانية. عرف أرسطو ذلك على نحو طبيعي وليس بإرادة الإنسان. الجوهر ما به ماهية الشيء وأعرضه الذاتية مقوماته الأولى، ثم وجد أرسطو أقاويل تعاند ذلك، تنكر الوجود والتغير وتعاند شهادة الحواس وتنفي الكثرة، ربما يقصد الفارابي بارمنيدس وكل المدرسة الفيثاغورثية الأفلاطونية دون أن يشير إليها. وبين أنها مغالطات. يقوم العلم الطبيعي إذن على مقدمات بينة، ويستعمل الطرق الجدلية للتمييز بينها وبين المغالطات حتى لا تبقى إلا الأقاويل العلمية. وهنا يتدخل المنطق كآلة لفحص الأقاويل الطبيعية عند السابقين على أرسطو دون ذكرهم. ويعطي العلم الطبيعي الأصول الكلية، وهي أشبه بالقضايا والمقدمات والمبادئ العامة البرهانية وإن كان الفحص فيها بطرق جدلية.
فالجوهر ممتد في كل الجهات، ما له طول وعرض وعمق بشهادة الحواس، فهو جوهر جسمي، وله مبدآن: المادة والصورة، الأول بالقوة والثاني بالفعل. والمبدأ الذي ينقل بالقوة إلى ما بالفعل هو المبدأ الفاعل. ولما كانت الحركة لا تكون إلا نحو غاية ظهر المبدأ الرابع وهو الغاية؛ ومن ثم كانت المبادئ أربعة: المادة والماهية والفاعل والغاية. ثم عرف الطبيعة الجسم والجوهر الجسماني الممتد إلى الاتجاهات كلها وأعراضه، وأنه غير مركب، وأن أقدم أبعاده هي الطول والعرض والعمق. وكل جوهر جسماني ممتد لا إلى ما لا نهاية في العظم. ثم فحص الحركة وأنها في زمان، وبين أن الزمان هو عدد الحركة. ثم فحص المكان، هل هو جوهر أم عرض. ثم فحص الخلاء وهل الحركة في حاجة إليه، وانتهى إلى عدم وجود الخلاء. وبين حركة الأجسام عن بعضها بالتماس، وفصل أنواع الحركة الطولية والمستديرة، النقلة والاستحالة حتى الانتهاء إلى المحرك الأول الذي لا يتحرك، ليس له جسم ولا في جسم أو مادة. وهو موضوع فحص خارج النظر الطبيعي، ويعني ما بعد الطبيعة.
54
وهذا ما عرضه أرسطو في «السماع الطبيعي» يعرضه الفارابي بإسهاب.
ثم انتقل إلى موضوع آخر الجسم المتحرك باستدارة المحيط بالأجسام الأخرى، لا خلاء به، وبه أجسام أخرى متحركة. وهذا الجسم هو العالم، وبه أقدم الأجسام التي بها تلتئم باقي الأجسام. حركاتها مستديرة في مكانين أول ووسط. وهي ثلاثة أنواع، والعناصر التي تلتئم منها الأجسام خمسة، أربعة منها الأسطقسات. وتعرض أرسطو لذلك في «السماء والعالم».
ثم عرض هذه الأسطقسات الأربعة كمواد متعاقبة تتكون منها الأجسام في عالم الكون والفساد. ثم فحص النمو والاضمحلال، وتماس الأجسام، والفعل والانفعال في الكيفيات المحسوسة، والتركيب والاختلاط والامتزاج. ثم فحص الأسطقسات في حد ذاتها لمعرفة هل هي قديمة لا متناهية وهل هي بالقوة أم بالفعل. فوجد أنها أربعة متناهية بالفعل. وفحص هل هي متكونة من واحد أو من ثلاثة ووجوه التكوين؟ وهل تحتاج في تكوينها إلى مبدأ فاعل خارجي أم هي أسباب فاعلة سماوية؟ وهل هي أجسام فاسدة أم باقية؟ ثم بحث عن الغاية من التكون والفساد، وهل الفساد مستمر يعود مرارا كثيرة. وعرض ذلك في كتاب «الكون والفساد».
ثم بحث هل هذه الأسطقسات متضادة في ماهيتها وقواها؟ فهي متجاورة متفاعلة. لكل منها غايته وقوته. فالأسطقسات متفاوتة فيما بينها من حيث الفعل والانفعال. وكيف يكون التجاور، بمماسة قطع صغار أم بجملة الأجسام من الوسط والفوق، وهما ضربا التجاور؟ وتختلف الأجسام السماوية فيما بينها وتتفاوت في قوة التماس فيما بينها بين الإفراط والنقص. وهي أمور تتفق مع المشاهدة. وهي خالية من الأضداد ومنفردة بماهيتها. لذلك سميت الأجرام. سمي المجاور للأجسام السماوية النار وهي غير النار الأرضية، وفوقه الجسم الطافي الذي يتحرق بها أي الهواء، ثم سمي الذي دونه الماء والأرض. والاختلاط بين اثنين مثل الأرض والماء. ثم بين أنواع الاختلاط وكيف أن المختلطة تظل قائمة بنفسها وتتم بلا نهاية وتتغلب أحد العناصر عليه. فما غلب عليه الهواء يسمى هوائيا، وما غلب عليه الماء يسمى مائيا وهكذا. ثم بين الأعراض الحادثة في الأخلاط. هل وجودها من أجل أنفسها أم من أجل غيرها لاكتمال الموجود أم لكليهما؟ وقد عرض أرسطو ذلك في المقالات الثلاث الأولى من «الآثار العلوية». ثم نظر في الأجسام المركبة من الأسطقسات طبقا للتشابه والاختلاف. أو التشابه إما أن يكون بين جسمين مختلفي الأجزاء مثل الأسطقسات أو بين جسم وجزء من أجسام العالم. وفحص الحالة الأولى وكيفياتها وقواها في المقالة الرابعة.
55
ثم نظر في الأشياء المتشابهة الأجزاء المكونة من الأسطقسات مثل الحجارة والأجسام الحجرية. فحص الأرض وأجزاءها وأصناف الأبخرة: المائي، والناري، والهوائي، والدخاني بسبب الحرارة الغريزية في باطن الأرض. فالحار والبارد قوتان فاعلتان للأجسام المتشابهة الأجزاء. وسبب البخارات تحت الأرض الأجسام السماوية وما جاور الأرض من أسطقسات. ثم بين أصناف التغيرات على الأجزاء الأرضية المختلفة التي منها تحدث الحجرية والمعدنية في عمق الأرض وعلى سطحها، فأحصاها وفصل أنواعها ووصف ماهيتها والمبادئ الفاعلة فيها وغايتها المستمدة من غاية العالم كله. وقد عرض أرسطو ذلك في كتاب «المعادن».
Page inconnue