Du Transfert à la Création
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
Genres
الفعل الإنساني هو غايته سواء الفعل الفردي أو فعل المدينة. ولا يمكن معرفة غرض الجزء دون معرفة غرض الكل. كما لا يعرف غرض الأعراض دون معرفة غرض الجوهر. ولما كان الإنسان جزءا من العالم فإن معرفة غرض العالم يساعد على معرفة غرضه. فالإنسان جزء ضروري في العالم، وغرضه الأقصى هو الغرض الأقصى للعالم؛ فمعرفة غرض واحد تؤدي إلى معرفة غرض الآخر. وإذا كان في الإنسان طبيعة وإرادة فإن في العالم أيضا طبيعة وإرادة يكون موضوعا للفحص الطبيعي وهي الطبيعيات والفحص الإرادي وهي الإنسانيات، موضوع السير الفاضلة والأفعال الجميلة التي تبعد الإنسان عن الرذائل والسيئات والأفعال القبيحة. ولما كانت الأشياء بالطبيعة والفطرة تتقدم بالزمان الأشياء بالإرادة والاختيار تقدمت الطبيعيات على الإنسانيات وإن كانت الغاية في كليهما علم اليقين.
50
بعد هذه المقدمة النظرية عن أقسام العلوم بعرض الفارابي أرسطو في نسقه الثلاثي، المنطق الذي به يحصل اليقين باعتباره آلة للعلم، والطبيعيات ثم الإنسانيات. وتلحق الأخلاقيات بالنفس والعقل،
51
ولا تكاد تذكر ما بعد الطبيعة إلا في عبارة واحدة باعتبارها فحصا في الموجودات على غير النظر الطبيعي، فما بعد الطبيعة طبيعيات مقذوفة إلى أعلى، ومدفوعة إلى أقصى حدودها إلى درجة نفيها وسلبها المنطق أصغر أجزاء الفلسفة والطبيعيات أكبرها والإنسانيات أوسطها؛ فالعلوم ثلاثة: المنطق، والعلم الطبيعي، والعلم الإرادي.
المنطق هو العلم المؤدي إلى اليقين وطرق الإقناع والتخييل ووسائل البرهان وأنواع المخاطبات، ومراتب الجمهور وأي مرتبة أقدر على أنواع الخطاب، وغياب اليقين في المغالطات أي اليقين السالب. وسمى أرسطو هذه الصناعة المنطق لأنها تقوم بالجزء الناطق من النفس وتسير به نحو اليقين والنافع من أنحاء التعليم، وكيفية النطق باللسان والمخاطبة التي تقع فيها المغالطة لتجنبها. ولما كان العلمان الطبيعي والإرادي علما واحدا بالجنس قدم المنطق عليهما فأحصي أولا أصناف الموجودات التي منها المقدمات، وكيف تدل الألفاظ المشهورة عند الجميع عليها واستنادها إلى المحسوس والمعقول وحصرها في عشرة أجناس هي نفسها أجناس الموضوعات الطبيعية والإرادية. ثم عرف صناعة المنطق وكيفية تأليف المقدمات وتركيب القضايا وأنواعها ونتائجها من حيث الصدق والكذب وجهاتها الاضطرارية والممكنة والمستحيلة، وأنواعها من حيث الإيجاب والسلب، الوجودية والشرطية وهو ما عرضه في كتاب «العبارة». ثم عرض كيفية تأليف المقدمات واقترانها وأنواع الاقترانات؛ الاضطرارية والوجودية والممكنة. ومتى تكون صادقة أو كاذبة، وأنواع تعليمها ومخاطبتها إيجابا أم سلبا، وعرض ذلك في أنالوطيقا أي التحليل بالعكس، ثم عرض بعد ذلك إلى اليقين وكيفية حصوله وأنواعه في العلل الأربعة استعارة من الطبيعيات إلى المنطق، وشرائط اليقين، وهو اسم رسالة منطقية للفارابي في التأليف، مواردها وصورها، أسبابها ومبادؤها.
52
وقد سمى أرسطو هذه الصناعة أيضا باسم الحكمة دون غيرها. وكل صناعة أخرى سميت حكمة مجازا، كما تسمى أجزاء الصناعة كلها وكل أنواع الصنائع النظرية حكمة. ويدخل في ذلك كيفية استعمال المقدمات الأول وطرق المخاطبة النظرية وأنواع الصناعات النظرية، والملكات النفسية التي تتم بها هذه الصناعة النظرية، ما هو بالطبع منها وما هو بالإرادة. وقد تم عرض ذلك في «أنالوطيقا الثانية».
ثم ينتقل الفارابي من عرض منطق اليقين، المقولات، والعبارة، والقياس والبرهان إلى عرض منطق الظن، الجدل، والسفسطة، والخطابة، والشعر. فصناعة «طوبيقا» أو «المواضع» الهدف منها الارتياض على جودة الأقيسة والبراهين والدقة في الصناعة النظرية اعتمادا على السؤال والجواب، ربما من منطق الأصوليين. ثم تأتي صناعة لتؤمن من الوقوع في الغلط والبقاء على الحق واستعمال البراهين، اعتمادا أيضا على السؤال والجواب وهي صناعة السوفسطائية أي المغالطة. غرضها ستة أشياء: أولا التبكيت، ثانيا التحيير، ثالثا مكابرة الذهن وسياسته، رابعا إلزام العي في القول والمخاطبة، خامسا إلزام الهذر في المخاطبة، سادسا الإسكات وحظره من القول أصلا . فالتبكيت الإلزام بنقيض الوضع أي إيقاع الخصم في التناقض، والتحيير هو وضعه في حيرة بين اعتقادين متناقضين فإذا لزم أحدهما لم يلزمه الآخر أو يتساوى القولان فيصعب الاختيار بينهما، والبهت أو المكابرة هو دفع الأشياء الظاهرة بالتشكك فيها حتى البينة بنفسها حتى ينتفي التعليم أصلا، والشك في شهادة الحواس والمشهور والاستقراء من أجل العوق عن الفحص. فهذه العناصر الثلاثة الأولى هيئات نفسانية رديئة تحصل من الصناعة السوفسطائية. أما الثلاثة الباقية فإنما هي عقل في اللسان لا في الفكر. فالعي في المخاطبة إما أن يكون على الإطلاق بالطبع أو العادة وإما في لسان الأمة التي بها يخاطب. وقد يكون العي إما على الإطلاق في الأشياء التي تضيق العبارة عن التعبير عنها أو يصعب فهمها وإما في اللسان الذي يخص أمة ولزوم الحال من فهم العبارة المشتركة عند الجميع بين المتخاطبين. وإلزام الهذر هو أن تنقص العبارة أو أن تزيد فيلزم المحال في المعنى. وأما الإسكات فهو أخس الأفعال السوفسطائية ويكون عن تخويف أو تخجيل أو انفعال. ووضع أرسطو كل هذا الارتياض في «سوفسطيقا» ليخلص من المنطق من انحرافه عن الحق واليقين لأن الجدل قد يكون خادما للحق والعلم اليقيني.
ثم أعطى أرسطو بعد ذلك القوى والصنائع التي بها يكون للإنسان القوة على تعليم من ليس سبيله علم المنطق أو علم اليقين. وهم طائفتان الأولى ليس لها بالطبع تلك الملكات النفسانية، والثانية لها بالطبع تلك الملكات إلا أنها فسدت باعتياد أفعال أخرى. فأعطى أرسطو لذلك صناعة يقتدر بها الإنسان إقناع الجمهور بالأشياء النظرية والعملية التي جرت العادة على الاكتفاء فيها بالأمور الجزئية والمعاملات الإنسانية المشتركة والتي يكون بها تعاونهم على السعي نحو الغاية التي من أجلها وجد الإنسان. وهي صناعة تخييل الأمور التي تبينت ببراهين يقينية. والمحاكاة ضرب من تعليم الجمهور لكثير من الأشياء النظرية الصعبة لتحصل في نفوسهم رسوما بمثالاتها، ولا تفهم إلا في مناسباتها لأن فهمها في ذواتها عسير إلا على من لديه القدرة على إدراك الأمور النظرية وهنا يجمل الفارابي الخطابة والشعر معا دون تفصيل. وبالتالي ينتهي عرض أرسطو للقوة المنطقية.
Page inconnue