ثم لم يزل صلى الله عليه وآله رافعا يديه إلى السماء مستقبلا لها بوجهه، والمسلمون صموت حوله كأنما على رؤوسهم الطير، حتى ثارت الغبرة وسمعوا التكبير من تحتها فعلموا أن عليا قتل عمرا. فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وكبر المسلمون تكبيرة سمعها من وراء الخندق من عساكر المشركين. ولذلك قال حذيفة بن اليمان: " لو قسمت فضيلة علي عليه السلام بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم " وقال ابن عباس في قوله تعالى: " وكفى الله المؤمنين القتال " قال: بعلى بن أبي طالب.
(20) ص 47 من العثمانية
فيقال للجاحظ: فعلى أيها كان مشى علي بن أبي طالب إلى الاقران بالسيف؟ فأيما قلت من ذلك بانت عداوتك لله تعالى ولرسوله. وإن كان مشيه ليس على وجه مما ذكرت وإنما كان على وجه النصرة والقصد إلى المسابقة إلى ثواب الآخرة، والجهاد في سبيل الله وإعزاز الدين، كنت بجميع ما قلت معاندا، وعن سبيل الانصاف خارجا، وفى إمام المسلمين طاعنا. وإن تطرق مثل هذا بوهم علي عليه السلام ليتطرقن مثله على أعيان المهاجرين والأنصار أرباب الجهاد والقتال، الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وآله بأنفسهم، ووقوه بمهجهم، وفدوه بأبنائهم وآبائهم. فلعل ذلك كان لعلة من العلل المذكورة، وفى ذلك الطعن في الدين، وفى جماعة المسلمين.
ولو جاز أن يتوهم هذا في علي عليه السلام وفى غيره لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله حكاية عن الله تعالى لأهل بدر: " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "، ولا قال لعلي عليه السلام: " برز الايمان كله إلى الشرك كله " ولا قال: " أوجب طلحة (1) ".
Page 333