Napoléon en Égypte

Ahmad Hafiz Cawad d. 1369 AH
151

Napoléon en Égypte

نابوليون بونابارت في مصر

Genres

إذا تقرر هذا وثبتت هذه المقالات في آذانكم فلترجع أمتكم جميعا إلى صفاء النية، وإخلاص الطوية، فإن منهم من يمتنع عن الغي وإظهار عداوتي خوفا من سلاحي وشدة سطوتي، ولم يعلموا أن الله مطلع على السرائر يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والذي يفعل ذلك يكون معارضا لأحكام الله ومنافق، وعليه اللعنة والنقمة من الله علام الغيوب، واعلموا أيضا أني أقدر على إظهار ما في أنفس كل واحد منكم؛ لأنني أعرف أحوال الشخص وما انطوى عليه بمجرد ما أراه، وإن كنت لا أتكلم ولا أنطق بالذي عنده، ولكن يأتي وقت ويوم يظهر لكم بالمعاينة أن كل ما فعلته وحكمت به فهو حكم إلهي لا يرد، وأن اجتهاد الإنسان غاية جهده لا يمنعه عن قضاء الله الذي قدره وأجراه على يدي! فطوبى للذين يسارعون في اتحادهم وهمتهم مع صفاء النية وإخلاص السرايرة والسلام. ا.ه.

كتب نابوليون هذا المنشور الغريب في 21 ديسمبر وهو يوافق يوم الجمعة 13 رجب، ولكنه لم ينشر في القاهرة إلا يوم 16 رجب؛ أي: بعد ثلاثة أيام قضاها المترجمون في تعريب وتحوير عبارة نابوليون الأصلية التي ادعى فيها لنفسه منزلة النبوة إن لم نقل الإلوهية، وهذا ما يقصده الشيخ الجبرتي بقوله: «التسلق على دعوى الخواص من البشر.» كالأنبياء المرسلين وأولياء الله الصالحين مثلا، ولو عرف الشيخ الجبرتي أن نابوليون يقول في الأصل الفرنسي: «إن الذين يبلغ بهم الاستخفاف إلى معاداتي لا يجدون ملجأ لأنفسهم لا في هذا العالم ولا في عالم الآخرة.» لما اكتفى بوصف نابوليون بالتسلق على دعوى الخواص من البشر، بل لرماه بالإغراق والتسلق على مقام الله سبحانه وتعالى.

وغريب أن نابوليون الذي ما صح له اعتقاد بوجود الخالق كما أثبت ذلك كل المحققين من كتاب تاريخه، يدعى أن الله عز وجل أمره أو أوحى إليه بالشفقة والرحمة على العباد!! ومن رأى اللورد «روزبري» في كتابه الجليل عن نابوليون في سانت هيلانة، ذلك الكتاب الذي حلل فيه أخلاق نابوليون ومعتقداته تحليلا فلسفيا علميا، معتمدا فيه على أقوال نابوليون وشهادة الذين عاشروه ونقلوا عنه، أن نابوليون كان من الوجهة الدينية، رجلا ماديا لا يعتقد بوجود الخالق، ولا يصدق بالأنبياء ولا بالبعث والنشور، ولنا في هذا الموضوع كلمة سنأتي بشيء من البيان والتحقيق في فصل سنعقده لما كان يقال، ولا يزال يعتقد لدى بعضهم، من أن نابوليون اعتنق الإسلام أو ادعاه.

وكيفما كان معتقد نابوليون وهو يكتب ذلك المنشور، فلا نزاع في أنه أراد به التمويه على العقول وإرهاب المسلمين وتحذيرهم من الانقلاب عليه وعلى جنوده إذا أقبل العثمانيون لخلاص مصر من أيدي الفرنساويين، وفاته أن للمسلمين اعتقادات ثابتة، ودينا قائما على أسس راسخة رسوخ الجبال، قد فصل فيه كل أمر تفصيلا، فهم لا يؤخذون بمثل هذه التمويهات، وهم لا يثقون بالمسلم إلا إذا حسن إسلامه واتبع أوامر الدين الحنيف واجتنب نواهيه، وفاته أيضا أن فكرة الخلافة الإسلامية متأصلة في نفوس المسلمين، وأنهم ما داموا يعتقدون أن الخلافة في بني عثمان، فمهما جاءهم نابوليون بالمعجزات، ومهما صور لهم من أمثال تلك العبارات، فإنهم يعتقدون أن نصرة آل عثمان على المسلمين فرض مقدس عليهم؛ أخطأ المسلمون المصريون وغير المصريين في ذلك أم أصابوا، فإن ذلك لا يغير الحقيقة التي شرحناها في هذا المقام، والمعنا إليها في كثير من مواطن الكلام.

4

ورأى نابوليون ضرورة تحصين القطر المصري من الجهات المختلفة اتقاء للطوارئ فبعث الجنرال مارمون

Marmont

بفرقة من الجنود ليساعدوا في تحصين الشواطئ المصرية الواقعة بين برج العرب «مارابوط» ورشيد، وكان الأسطول الإنكليزي ومعه بضع سفن روسية وعثمانية يظهر من آن لآخر أمام الشواطئ المصرية فيضطر الفرنساويون إلى مضاعفة قواهم في الجهات الواقعة على السواحل والثغور، وأنشئت القلاع والطوابي حول ثغر دمياط وعلى مصاب نهر النيل وكانت في ذلك الوقت أكثر من اثنين، وانتقل الجنرال كليبر من قومندانية الإسكندرية إلى القاهرة وعين مكانه الجنرال مارمون المشار إليه.

والآن وقد ظن نابوليون أنه قد اطمأن بالا بعد أن حصن القاهرة أو جعلها تحت رحمة طوابيه وقلاعه ومدافعه، وبعد أن حصن الشواطئ من الإسكندرية إلى العريش وأقام في الصالحية القوى الكافية والحصون اللازمة، وبعد أن ضعضع الجنرال «ديزيه» قوى مراد بك في الوجه القبلي ولم يبق في نظر نابوليون معارض ولا مقاوم، انصرف إلى التفكير في المشروع العظيم الذي لم يتم على يديه، ولكن بقي فخاره لفرنساوي آخر، ونعني به مشروع قنال السويس - أي: اتصال البحر الأبيض بالبحر الأحمر - ولم يكن الفرنساويون لهذا الوقت «أوائل شهر ديسمبر سنة 1798» قد امتلكوا السويس؛ لانقطاع المواصلات بينها وبين القاهرة، ولسطوة العربان في الصحراء الواقعة بين البلدين، وقد كانوا حاولوا احتلال ذلك الثغر بواسطة نفر من المماليك وبضع نفر من الفرنساويين فلم ينجحوا، فقد روى الجبرتي في حوادث 15 ربيع الأول أنهم عينوا إبراهيم العمار أغات المتفرقة قبطانا للسويس، وسافر معه أنفار «يبوت» فرنساوي فخرج عليهم العربان فنهبوهم وقتلوا إبراهيم أغا المذكور ومن معه.

5

Page inconnue