فالذي سقط من الجبرتي هو المعلم إبراهيم جر العايط القبطي، وخلط بين ولمار السويدي، وسماه رواحه الإنكليزي، ولا يبعد أنه كان يتسمى باسم «رواحة» قبل مجيء الفرنسيين؛ إذ كان الأجانب قبل مجيئهم يرتدون الملابس الشرقية ويتخذون ألقابا مصرية، وكيف يعين نابوليون في الديوان الخصوصي إنكليزيا وهو في حرب معهم في البر والبحر؟ ... ثم «بودني» الذي ذكره الجبرتي هو لا شك «بودوف» الفرنسي، وكاف هو الذي سماه موسى كافر! وأما الأسماء التي جاءت في رسالة المعلم نقولا الترك فلا يصح الاعتماد عليها؛ لأن تاريخ المنشور الذي وضعت عليه تلك الإمضاءات يقع في 20 ربيع الأول سنة 1214، وتشكيل الديوان العمومي الذي نحن بصدده كان في رجب سنة 1213، فمن المحتمل حدوث تغيير في الأعضاء في خلال تلك المدة خصوصا، وأن من الثابت لدينا أن مخائيل كحيل السوري مات في 29 محرم سنة 1214.
3
أما أعضاء الديوان «عدا أعضاء الخصوصي» فلم نقف على أسمائهم في الكتب العربية، وكل ما ذكره الجبرتي عنهم قوله: «وأما العمومي فأكثره مشايخ حرف.» وكنت قبل أن أعثر على الاسم الساقط في الجبرتي من أعضاء الديوان الخصوصي، أميل إلى الظن بأنه قد يكون الشيخ عبد الرحمن الجبرتي نفسه، هو ذلك العضو، وأنه لم يرد ذكر اسمه تواضعا منه أو ترفعا عنه، خصوصا بعد خروج الفرنسيين وقدوم الأتراك، وهو لم يجمع كتابه إلا بعد هذه الفترة بزمن طويل، كما سبق لنا تحقيق ذلك، وسبب هذا الظن أن «كاردين» وغيره من الذين ترجموا هذه الفترة من تاريخ الجبرتي، قالوا عنه: إنه كان عضوا في الديوان الخصوصي مدة وجود الفرنسيين في مصر، ولكن هذا الظن زال أثره بعد أن تحققت من أن الشيخ عبد الرحمن الجبرتي كان عضوا في الديوان الذي أنشئ في زمن الجنرال مينو.
4
ومما جاء في مرسوم نابوليون بتشكيل هذا المجلس أن يكون في المجلس مندوب فرنسي وهو مسيو جلوتيه
Gloutier
وأن الذي يأمر باجتماع المجلس هو قومندان «حاكم» المدينة، ويجب أن تنتهي جلسات الديوان العمومي بعد ثلاثة أيام، ولا ينعقد ثانية إلا بدعوة فوق العادة، وأن أعضاء الديوان الخصوصي يجتمعون يوميا للعمل «على ما يؤيد العدل ويؤدي إلى إسعاد الأهالي وخدمة صوالح الجمهورية الفرنسية» وجعل مرتب رئيس الديوان الخصوصي في كل شهر مائة ريال، ولكل عضو ثمانون.
وأعقب نابوليون الأمر بإنشاء الديوان على الطريقة المتقدم بيانها بمنشور طويل قصد به اكتساب مودة المصريين، مع الإرهاب والإنذار! وإن كان الجبرتي قد نشره مع طوله «للاطلاع على ما فيه من التمويهات على العقول والتسلق على دعوى الخواص من البشر بفاسد التخيلات، التي تنادي على بطلانها بديهة العقل فضلا عن النظر»؛ فنحن كذلك ننشره لسبب آخر وهو مقارنته بالأصل الفرنساوي، لإظهار ما في ذلك من تصورات نابوليون في نفسه، وإظهار ما كان يعانيه المشايخ في تنقيح وتحوير عباراته، بألفاظ تقرب من مراده، ولا تجرح المسلمين في عواطفهم، ولا تؤلمهم في معتقداتهم، وهذا هوالنص العربي كما ورد في الجبرتي وفي غيره ممن نقل عنه، ولم يأت به المعلم نقولا الترك.
بسم الله الرحمن الرحيم
من أمير الجيوش الفرنساوية إلى كافة أهل مصر الخاص والعام! نعلمكم أن بعض الناس الضالين العقول، الخالين من المعرفة وإدراك العواقب، سابقا أوقعوا الفتنة والشرور بين القاطنين بمصر فأهلكهم الله بسبب فعلهم ونيتهم القبيحة، والباري سبحانه وتعالى أمرني بالشفقة والرحمة على العباد فامتثلت أمره وصرت رحيما بكم عفوا عنكم، ولكن حصل عندي غيظ وهم شديد بسبب تحريك تلك الفتنة بينكم، ولأجل ذلك أبطلت الديوان الذي كنت رتبته لنظام البلد وإصلاح أحوالكم من مدة شهرين، والآن توجه خاطرنا إلى ترتيب الديوان كما كان؛ لأن حسن معاملتكم وأحوالكم في المدة المذكورة أنسانا ذنوب الأشرار وأهل الفتنة التي وقعت سابقا، أيها العلماء والأشراف أعلموا أمتكم ومعاشر رعيتكم بأن الذي يعاديني ويخاصمني إنما خصامه من ضلال عقله وفساد فكره فلا يجد ملجأ ولا مخلصا ينجيه مني في هذا العالم، ولا ينجو من بين يد الله لمعارضته لمقادير الله سبحانه وتعالى، والعاقل يعرف أن ما فعلناه بتقدير الله تعالى، وإرادته وقضائه، ومن يشك في ذلك فهو أحمق وأعمى البصيرة، واعلموا أيضا أمتكم أن الله قدر في الأزل هلاك أعداء الإسلام وتكسير الصلبان على يدي، وقدر في الأزل أني أجيء من الغرب إلى أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها وإجراء الأمر الذي أمرت به، ولا يشك العاقل أن هذا كله بتقدير الله وإرادته وقضائه، واعلموا أيضا أمتكم أن القرآن العزيز صرح في آيات كثيرة بوقوع الذي حصل، وأشار في آيات أخرى إلى أمور تقع في المستقبل وكلام الله في كتابه صدق وحق لا يتخلف.
Page inconnue