411

يدل على تنزيه القديم تعالى من القبائح ؛ لأنه تعالى لو كان هو الفاعل لها لما صح أن يوصف بأنه الحق فى الوعد ، ويجوز فيه أعظم مما يقع من الشيطان ؛ لأنه الفاعل فى العباد المعاصى أجمع ، وفى الشيطان الدعاء إلى الضلال والترغيب فيه.

** 376 وقوله تعالى من بعد :

تلوموني ولوموا أنفسكم ) (1) يدل على بطلان القول بالجبر من جهات :

منها : أنه تعالى لو كان الخالق فيهم الضلال لم يصح وصفهم بأنهم استجابوا للشيطان ، لأن المستجيب لغيره إنما يوصف بذلك إذا اختار لأجل قوله ما لولاه لكان يصح أن يختار خلافه ، ولذلك لا يوصف من رمى من شاهق فانهبط إلى الأرض أنه يستجيب فى ذلك لغيره ، لما لم يمكنه الانفكاك منه.

ومنها : أنه أضاف اللوم إليهم ونفاه عن نفسه ، ولو كان تعالى هو الذى خلق فيهم الضلال والكفر لكان الواجب فى الخطاب أن يقال : فلا تلومونى ولوموا خالقكم الذى فعل فيكم الكفر ، وأوجبه بالقدرة الموجبة له ، وجعلكم بحيث لا محيص لكم. وبطلان ذلك يبين صحة ما نقول.

ومنها : أن الوجه الذى له زال اللوم عن الشيطان على قولهم هو موجود فى العبد نفسه ، فهو بأن يزول عنه اللوم أحق ، لأنه بدعائه إياهم إلى الضلال لم يخلق فيهم ذلك ولا اضطرهم إليه ، ولا أزالهم عن طريقة الاختيار

Page 416