كتاب المسترشد في التوحيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علا بطوله، وجل بحوله الداني في علوه، والنائي في دنوه رب العالمين، وفاطر السماوات والأرضين، الذي بان عن مشابهة المخلوقين، وتقدس عن مناظرة المحدودين، المتجلي لعباده الموقنين بما أراهم من بدائع فعله في المربوبين، بل بما أراهم في أنفسهم من عظيم تدبيره، وبين لهم فيهم من لطيف صنعه وتقديره، فكلهم يشهد له ضرورة بالربوبية، وينطق له ويقر بالفعل والأزلية، كما قال ذو الجلال والسلطان فيما نزله على نبيئه من النور والفرقان حين يقول سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه: { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون } [العنكبوت: 61]، وقال سبحانه: { ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون } [العنكبوت: 63]، فسبحان الذي علمه بخفيات ضمائر الصدور كعلمه بما ظهر وأنار من الأمور، الذي لا تخفى عليه الخفيات، ولا تستتر عنه المستورات، ولا تحتجب عنه المحجوبات، ولا تعروه الغفلة والسنات، ولا تنتظمه بتجديد الصفات، ولا تنقصه الأيام والساعات، بادئ خلق الإنسان من طين، والباعث له يوم الدين والمجازي لعباده على أعمالهم، المحيط بالصغير والكبير من أفعالهم، مقيل العثرات، وغافر السيئات، المعطي على الحسنة الحسنات، قابل التوبة من التآئبين، الواحد الفرد الكريم، الرؤوف بعباده الرحمن الرحيم، العدل في أفعاله الجواد، البري من جميع أفعال العباد، المتعالي عن اتخاذ الصواحب والأولاد، كذلك الله ذو العزة والإياد، وصلى الله على محمد خاتم النبئين، ورسول رب العالمين، والحجة على جميع المخلوقين، المصلح لله في بلاده، الداعي إليه جميع عباده، السراج الزاهر المنير، وصفوة اللطيف الخبير، وعلى آله.
Page 129