الإِسكندرية وحافظها أبي طاهر السِّلَفي (ت ٥٧٦ هـ) بالمدرسة العادلية -التي تسمّت فيما بعد باسمه: "السِّلَفية"- في تدريس العلوم الشرعية كالحديث والفقه، وعنايته بعقد مجالس الإِملاء التي بواسطتها حصَّل عنه تلاميذه رواياته وعوالي أسمعته الواسعة.
ومن جملة الكتب الحديثية التي أخذت حيِّزًا من اهتمام الحافظ السِّلفي كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة مالك بن أنس ﵀، فقد أملاه سنة إحدى وخمسين وخمسمائة للهجرة، وخصّص له يومين من كل أسبوع، وخلال المدة التي أملى فيها الموطأ طُلِبَ منه أن يكتب شرحًا عليه، فاعتذر عن الخوض في لُجَّة شرح هذا الكتاب العظيم تواضعًا منه ﵀ وورعًا، واستعاض عن شرحه بإملاء كتاب الاستذكار للحافظ ابن عبد البر الأندلسي لعدم وجود كتاب يضاهيه من شروح الموطأ على حد قوله.
والناظر في هذه الرسالة يجد الحافظ السِّلفي قد ذكر نُتَفًا من ترجمة الإِمام مالك، وما قيل في الثناء على موطئه، وأتبع ذلك بترجمة للحافظ ابن عبد البر، اعتنى فيها بذكر تصانيفه وما قيل في الثناء على بعضها.
ولم تخلُ هذه الرسالة من فوائد عزيزة يندر العثور عليها في مصادر أخرى، ففيها بيان اهتمام الحافظ السِّلفي بمؤلفات ابن عبد البر حيث كان عزم على الرحلة إلى الأندلس للقاء علمائها -من تلاميذ ابن عبد البر- للحصول على تلك المؤلفات، علاوة على ذلك انفردت هذه الرسالة بذكر تراجم مختصرة لبعض العلماء، وذكر بعض الأقوال في تحديد ولادة ابن عبد البر ووفاته، كما تفتّقت فيها شاعرية الحافظ السِّلفي فجادت قريحته بأبيات شعرية معبرة في مدح الإِمام مالك والثناء على تصانيف الحافظ ابن عبد البر؛ خصوصًا كتابه "الاستذكار"، وقد بلغ عدد الأبيات في مدحه كتاب الاستذكار أحد عشر بيتًا.
ومن المسائل العلمية التي احتوت عليها هذه الرسالة مسألة الخلاف بين أهل المشرق والمغرب في الإِجازة، وقد بين المؤلف رأيه في ذلك، وبهذا
1 / 11