Introduction à l'étude de la rhétorique arabe
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
Genres
1
عند العرب يشمل كل شيء، أو هو مجموع معلومات الإنسان التي اكتسبها بالقراءة والدرس من علوم عربية كالنحو والصرف، وعلوم البلاغة، والشعر والأمثال، والحكم والتاريخ، وغيرها من فلسفة، وسياسة، واجتماع؛ وحتى جعل ابن قتيبة في كتابه «أدب الكاتب» من شروط الأديب أن يعرف جملة من الرياضيات والصناعات. وقالوا: الأدب كل ما تأدب به الإنسان، يقصدون بذلك كل ما صح أن يعرف فهو من الألفاظ التي ليست لها معان محدودة؛ يطلق على دعوة الطعام، وعلى العادات والأخلاق الكريمة، وعلى التربية والتعليم. قال صاحب تاج العروس: «وإطلاقه على العلوم العربية مولد حدث في الإسلام.» وقد توسع المسلمون في هذا اللفظ بسبب اختلاطهم بالعجم، حتى أصبح معنى الأدب جامعا للعلم والأخلاق والفنون والصنائع وغيرها، فأطلقوه على ضرب العود ولعب الشطرنج، وعلى الطب والهندسة والفروسية، وعلى مجموع علوم العرب، وعلى مقتطفات الحديث والسمر، وما يتلقاه الناس في المجالس.
هذا التوسع العظيم في استعمال هذا اللفظ يدل على خفاء مدلوله، وخصوصا أن هذا الاستعمال لم يخصص في معنى من هذه المعاني.
2
وقد رأينا بعد مراجعة آراء الأدباء أن إطلاق هذا اللفظ على المعنى الذي نستعمله الآن، إطلاق ناقص لا يؤدي المعنى الذي نريده نحن؛ لأننا نطلقه على الشعر والنثر فحسب. وذلك لا يطابق تعريف الأدب عند العرب؛ لأننا نريد أن ندرس ضروب الكلام وأنواع البلاغة، والمؤثرات التي أثرت فيها. ومن رأينا أنه مهما صح من العموم والخصوص والتأويلات الكثيرة، فإنه من الغامض أو من النقص في التعبير أن نخص الأدب بهذا المعنى الذي نريد، ونسلخ عنه معانيه الأخرى، أو نستعمله استعمالا مشتركا. ولم يجلب علينا ذلك إلا خطأ مشهور لم نتداركه، وعندنا من الألفاظ ما هو أولى وأوفق.
وقد حد ابن خلدون الأدب، ورأى «ألا موضوع له ينظر في إثبات عوارضه أو نفيها» قال: «وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته.» وفهم الأدب كما فهمه أهل زمانه، صناعة من الصناعات تتعلم ويتوصل إليها بالتمرين، لا أثرا من آثار الكتاب والشعراء. فقال: «هو الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم.» وجعل من تمام هذه الصناعة «أن يجمعوا لذلك من كلام العرب ما عساه أن تحصل به الملكة من شعر عالي الطبقة، وسجع متساو في الإجادة، ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناء ذلك متفرقة، يستقرى منها في الغالب معظم القوانين العربية، مع ذكر بعض من أيام العرب، يفهم به ما يقع في أشعارهم منها، وكذلك ذكر المهم من الأنساب الشهيرة والأخبار العامة.» قال: «والمقصود بذلك كله ألا يخفى على الناظر فيه شيء من كلام العرب وأساليبهم، ومناحي بلاغتهم إذا تصفحه؛ لأنه لا تحصل الملكة من حفظه إلا بعد فهمه ...» واختصر التعريف فقال بعد ذلك: «ثم إنهم إذا أرادوا حد هذا الفن قالوا: الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارها والأخذ من كل علم بطرف ...»
نحن لا نفهم الأدب بهذا المعنى العام، ولن يكون تدريسنا على هذه الطريقة العامة. ولكنا نريد أن يكون للأدب موضوع، وأن نحده حدا إيجابيا؛ لذلك رأينا أن نطلق على الشعر والنثر البليغ - وهو ما نقصده من الأدب، وما يراد من دراسته في مدارسنا - كلمة «بلاغة»، وتعرف البلاغة (الأدب) حينئذ: «بأنها الكلام الذي يدعو إلى الإعجاب من حيث الافتنان في الصناعة.» إذ لا يمكن أن نجري على التعريف القديم، وندخل في الأدب ما كان يقصده القدماء من جميع فروع اللغة العربية؛ لأننا ليس من غرضنا أن ندرس ذلك، وليس من غرض إنسان يريد أن يقرأ كلام العرب أن يصرف وقته في قراءة النحو والصرف، وعلم العروض وعلوم البيان، والجغرافيا والتاريخ وغيرها، وإنما يريد أن يقرأ النثر والشعر لا غير؛ ليقف على أسرار اللغة، وليهذب نفسه بما في ذلك من المعاني، وليعرف أغراض الكتاب والشعراء؛ وبالجملة ليعرف سر اللغة العربية وقيمتها؛ وذلك بقراءة الكلام البليغ نفسه من شعر ونثر، ويكفي أن يكون اللفظ متينا، والعبارة واضحة؛ لتصل من نفس المتكلم إلى نفس السامع. كما روى الجاحظ «أن الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان.» معنى ذلك أن الكاتب إذا كان مخلصا متأثرا بما يقول، نال من نفس القارئ وبلغ منه المراد. هذه هي البلاغة، وهكذا يجب أن تفهم. فليس ما ندرسه هو الأدب إذا دققنا النظر في التعريف المعروف؛ لأننا نريد أن ندرس أنواع كلام العرب الذي هو الغرض من دراسة الأدب.
قال صاحب كشف الظنون: «الأدب علم يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظا وكتابة.» وواضح بعد ذلك أن الأدب ليس هو المنظوم والمنثور، بل هو مجموع العلوم العربية، كما قال المؤلف نفسه: «اعلم أن فائدة التخاطب والمحاورات في إفادة العلوم واستفادتها، لما لم تتبين للطالبين إلا بالألفاظ وأحوالها، كان ضبط أحوالها مما اعتنى به العلماء، فدعت معرفة أحوالها إلى علوم انقسم أنواعها إلى اثني عشر قسما، سموها العلوم الأدبية؛ لتوقف أدب الدرس عليها بالذات، وأدب النفس بالواسطة، وبالعلوم العربية أيضا لبحثهم عن الألفاظ العربية» (طبعة أوروبا، صفحة 217).
وما دام الأدب هو ما يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظا وكتابة كما رأينا، أو هو كما قال الجرجاني في تعريفاته: «عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.» فلا يصح بعد هذا أن نريد منه النظم والنثر؛ لأن الأدب - كما قالوا - وسيلة لفهم الشعر والنثر اللذين هما أنواع كلام العرب، والوسيلة غير الغاية فلا بد أن نخص ما نفهمه الآن أدبا بالشعر والنثر البليغ، ونطلق عليه «بلاغة» لتكون تسمية حقيقية لا تمس الاصطلاح القديم، بل تنطبق على تعريف البلاغة، فنقول: «بلاغة العرب» ونريد ما يريده الناس الآن من «أدب العرب».
وعلى هذا تكون البلاغة كل قول الغرض منه - قبل كل شيء - الاستيلاء على نفس السامع أو القارئ بفصاحة العبارة وحسن التركيب، وبراعة الكاتب أو الشاعر، أو بعبارة أخصر «هي الكلام الفني الممتع»، والكلام الفني يملأ نفس السامع وعواطفه في أي موضوع كان، وعلى أي معنى دل، وذلك يطابق معنى البلاغة عند العرب كما قال الجاحظ: «وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه ... فإذا كان المعنى شريفا واللفظ بليغا، وكان صحيح الطبع، بعيدا عن الاستكراه، ومنزها عن الاختلال، ومصونا عن التكلف، صنع في القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة. ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، ونفذت من قائلها على هذه الصفة، أصحبها الله من التوفيق، ومنحها من التأييد، ما لا يمتنع عن تعظيمه صدور الجبابرة، ولا يذهل عن فهمه عقول الجهلاء.»
Page inconnue