Introduction à l'étude de la rhétorique arabe
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
Genres
لأحسن من بيد يحار بها القطا
ومن جبلي طي ووصفكما سلعا
تلاحظ عيني عاشقين كلاهما
له مقلة في وجه صاحبه ترعى
6
كان ذلك في مدة الأمويين وفي أوائل الدولة العباسية. فلما تربع الفرس في دولة بني العباس وعلا شأنهم، أثروا في كل شيء وأثروا في الشعر أيضا. وكان يمكن أن يكون هذا الأثر سببا لانقلاب عظيم في تاريخ الشعر العربي. ولكن هذه العاصفة الآرية التي هبت من بلاد الفرس، لم توشك أن تظهر حتى ذهبت هباء في صحراء العرب، فهزم السامي الآري؛ لأن الدولة كانت له واللغة لغته والدين دينه، بل لم يكتف الآري بهذه الهزيمة حتى اندمج في السامي وأخذ عنه، وبدل أن يؤثر فيه تأثر منه. وهذه من مزايا اللغة العربية؛ فإنها لم تظهر في أمة من الأمم التي دانت بكتابها الكريم إلا أثرت في عقولها ومعلوماتها، وجذبتها إليها ومحت منها خواص لغتها، واستولت على خيالاتها وتسربت إلى لغاتها، واحتلت بحق أو بغير حق مواضع البلاغة منها؛ شأن القوي في الإنسان والحيوان والنبات؛ وذاك ما نراه حتى الآن في بلاد الفرس وفي بلاد الترك وفي بلاد البربر وفي مصر، مع ذلك ظهر أثر الفرس في الشعر العربي، فقد أراد الشعراء أن يدخلوا في الشعر العربي أثر المدنية الحديثة، وأن يخرجوا من مضيق البلاغة وفنون البيان إلى العبارات النفسية.
ولكن هذا التغير أبعدهم عن الزمن العربي الأصلي وصبغته، التي كانت تدل على الإخلاص في القول وعدم التعمل والبعد من التكلف؛ فوقعوا فيما كانوا يخشون. ولم يظهر أثر الحضري في الشعر العربي إلا في نقله من الشعر المطبوع إلى الشعر المتكلف المصنوع، فلم يوجد فيه شيئا جديدا، ولم يبتكر نوعا حديثا، وأصبح الشعر صنعة من الصناعات أكثر منه في كل عصر. وأخذ الشعراء يتناسون ما كان عند سلفهم من الشعر الصادر عن الشعور والعواطف إلى التصنع والبحث، لا في الصناعة لا غير، بل في الأفكار والخيال. حتى إن الغزل والنسيب اللذين أخذا شكلا جديدا سائغا على النفس، مع شيء من الفكاهة وخفة الروح مدة الأمويين، عند جميل بن معمر، وعمر بن أبي ربيعة، وكثير عزة، صار إلى نوع من المجون والمزح عند والبة ومن جاراه.
7
لا نقول: إن حركة المحدثين كان نصيبها الخيبة وعدم التمكن من رقي الأدب، وإيجاد نوع جديد فيه فقط، بل نزيد على ذلك أن المحدثين أبعدوا الشعر العربي عن طريقته الأولى، ومحوا منه خلتين كانتا من أكبر أسباب المتانة والجمال فيه، وهما السذاجة الطبعية والإخلاص. فقد كان الشعر الجاهلي بهذين الخلتين قريبا جدا من الشعر الاجتماعي، الذي يمثل صور النفوس وأخلاق الأمم العامة. ولكن من أسف أن المحدثين زجوا به في طريق التصنع والتعمل، وقصروه على ضرب من البراعة في الصناعة المتكلفة، وطريقة أبي تمام من المثل المضحكات في ذلك.
ولو أن حركة الشعر سارت تدريجيا كحركة النثر لصح القول بأن الشعر العربي تدرج وانتقل، واتبع قانون «النشوء والارتقاء» - كما يقولون - ككل شيء حي. ولكن ذلك أظهر ما يكون في النثر كما هو معروف، فقد كان النثر في الجاهلية عبارة عن سجعات قصيرة أشبه بالشعر، من حيث الاستقلال بمعنى تام، ولم يظهر أثره إلا في الخطب والنصائح، كخطب قس بن ساعدة وغيره، ثم ارتقى برقي الخطابة في صدر الإسلام، واتسع وزاد بالمناقشات السياسية بين الخلفاء وعمالهم ومن كان ينازعهم السلطان، وكان أول ظهور ذلك بين أبي بكر وعلي رضي الله عنهما، ثم بين الإمام علي ومعاوية، ولو صحت نسبة نهج البلاغة لابن أبي طالب - كرم الله وجهه - لكانت خطوة النثر في نحو أربعين عاما أوسع خطوة خطتها بلاغة العرب في التقدم والارتقاء؛ لأن الفرق كبير جدا بين سجع كهان العرب وهذا الكلام البليغ الممتع. ثم أخذ النثر شكلا أوسع في آخر الدولة الأموية. أما مدة العباسيين فقد ارتقى فيها النثر ارتقاء عظيما ليس له مثيل في عصر من عصور الدولة العربية؛ إذ ظهرت فيه المقالات الطويلة في موضوعات مختلفة، وأشهر الكتاب والمؤلفين في ذلك العصر: الجاحظ وابن المقفع، وكان لكل منهما مذهب خاص وطريقة معروفة في الأسلوب، ولم يعد النثر منذ ذلك الزمن مقصورا على الخطب والرسائل. ثم انتقل إلى درجة أخرى وهي طريقة السجع والصناعة في تحسين العبارة، كما في طريقة ابن العميد والصاحب بن عباد وبديع الزمان الهمذاني، الذي اخترع فن المقامات، وأخذها عنه الحريري؛ وبذلك أخذ النثر طريقا آخر وأسلوبا جديدا يصح أن يطلق عليه من بعض الوجوه أنه نثر قصصي.
Page inconnue