Muntaqa Min Minhaj Ictidal
المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال
Chercheur
محب الدين الخطيب
الله هُوَ الَّذِي أصَاب فَمِنْهُ الْحَذف بِالْيَدِ وَمن من الله الإيصال إِلَى الْعَدو كلهم وَلَيْسَ المُرَاد بذلك مَا يَظُنّهُ بعض النَّاس أَنه لما خلق الرَّامِي وَالرَّمْي كَانَ هُوَ الرَّامِي فِي الْحَقِيقَة فَإِن ذَلِك لَو صَار فِي كل فعل لَكُنْت تَقول مَا مشيت إِذْ مشيت وَلَكِن الله مَشى وَمَا ركبت إِذْ ركبت وَلَكِن الله ركب وَمَا لَا نِهَايَة لَهُ وَبطلَان ذَلِك مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ وَلِهَذَا يرْوى أَن عُثْمَان كَانُوا يرمونه بِالْحِجَارَةِ لما حصر فَقَالَ
علام ترمونني فَقَالُوا مَا رميناك وَلَكِن الله رماك فَقَالَ إِن الله لَو رماني لأصابني وَلَكِن أَنْتُم ترمونني فتخطئونني
الْوَجْه الآخر أَنهم يجوزون أَنه تَعَالَى يخلق الْقُدْرَة على الْكَذِب مَعَ علمه بِأَن صَاحبهَا يكذب وَكَذَا الْقُدْرَة على الظُّلم وَالْفُحْش
وَمَعْلُوم أَن الْوَاحِد منا يجْرِي تَمْكِينه من القبائح وإعانته عَلَيْهَا مجْرى فعله لَهَا فَمن أعَان غَيره على الْكَذِب وَالظُّلم كَانَ الْفَاعِل قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان﴾ فَإِن قَالُوا إِنَّمَا أعطَاهُ الْقُدْرَة ليطيع لَا ليعصي قيل إِذا كَانَ عَالما بِأَنَّهُ يَعْصِي كَانَ بِمَنْزِلَة من أعْطى آخر سَيْفا لِيُقَاتل بِهِ الْكفَّار مَعَ علمه بِأَنَّهُ يقتل نَبيا وَهَذَا لَا يجوز فِي حَقنا فتعالى الله عَن ذَلِك
الثَّالِث أَن يُقَال لَيْسَ كل مَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُمكن نشك فِي وُقُوعه بل نعلم أَنه لَا يفعل أَشْيَاء مَعَ أَنه قَادر عَلَيْهَا وَهِي مُمكنَة فَلَا يقلب الْبَحْر زئبقا وَالْجِبَال ياقوتا وَعلمنَا بِأَنَّهُ تَعَالَى منزه عَن الْكَذِب وَأَنه مُمْتَنع عَلَيْهِ قطعا
الرَّابِع نَحن نعلم بِأَنَّهُ مَوْصُوف بِصِفَات الْكَمَال وَأَن كل كَمَال ثَبت لموجود فَهُوَ أَحَق بِهِ وكل نقص منزه عَنهُ
ونعلم أَن الْحَيَاة وَالْعلم وَالْقُدْرَة صِفَات كَمَال فَهُوَ أَحَق بهَا وَكَذَلِكَ الصدْق كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَمن أصدق من الله حَدِيثا﴾ وَقَالَ النَّبِي ﷺ إِن أصدق الْكَلَام كَلَام الله
الْخَامِس أَن كَلَامه قَائِم بِذَاتِهِ غيرمخلوق عِنْد أهل السّنة فَإِن الْكَلَام صفة
1 / 140