بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَبِه نستعين
الْحَمد لله المنقذ من الضلال المرشد إِلَى الْحق
الْهَادِي من يَشَاء إِلَى صراطه الْمُسْتَقيم
أما بعد فَهَذِهِ فَوَائِد ونفائس اخترتها من كتاب منهاج الإعتدال فِي نقض كَلَام أهل الرَّفْض والإعتزال تأليف شَيخنَا الإِمَام الْعَالم أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى
فَذكر أَنه أحضر إِلَيْهِ كتاب لبَعض الرافضة فِي عصرنا يَعْنِي ابْن المطهر
1 / 17
منفقا لهَذِهِ البضاعة يَدْعُو بهَا إِلَى مَذْهَب الإمامية أهل الْجَاهِلِيَّة مِمَّن قلت معرفتهم بِالْعلمِ وَالدّين
فصنفه للْملك الْمَعْرُوف الَّذِي سَمَّاهُ فِيهِ خدا بنده
فالأدلة إِمَّا نقلية
وَإِمَّا عقلية
1 / 18
وَالْقَوْم من أكذب النَّاس فِي النقليات
وأجهل النَّاس فِي العقليات
وَلِهَذَا كَانُوا عِنْد الْعلمَاء أَجْهَل الطوائف وَقد دخل مِنْهُم على الدّين من الْفساد مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا رب الْعباد
والنصيرية والإسماعيلية والباطنية من بابهم دخلُوا
وَالْكفَّار والمرتدة بطريقهم وصلوا
فاستولوا على بِلَاد الْإِسْلَام وَسبوا الْحَرِيم وسفكوا الدَّم الْحَرَام
وَهَذَا المُصَنّف سمى كِتَابه منهاج الْكَرَامَة فِي معرفَة الْإِمَامَة
والرافضة فقد
1 / 19
شابهوا الْيَهُود فِي الْخبث والهوى
وشابهوا النَّصَارَى فِي الغلو وَالْجهل
وَهَذَا المُصَنّف سلك مَسْلَك سلفه كإبن النُّعْمَان الْمُفِيد
والكراجكي
وَأبي الْقَاسِم الموسوي
والطوسي فَإِن الرافضة فِي الأَصْل لَيْسُوا أهل خبْرَة بطرِيق المناظرة وَمَعْرِفَة الْأَدِلَّة
1 / 20
وَمَا يدْخل فِيهَا من الْمَنْع والمعارضة
كَمَا أَنهم جهلة بالمنقولات
وَإِنَّمَا عمدتهم على تواريخ مُنْقَطِعَة الْإِسْنَاد
وَكثير مِنْهَا من وضع المعروفين بِالْكَذِبِ فيعتمدون على نقل أبي مخنف لوط بن يحيى وَهِشَام بن الْكَلْبِيّ
قَالَ يُونُس بن عبد الْأَعْلَى قَالَ أَشهب سُئِلَ مَالك ﵁ عَن الرافضة فَقَالَ لَا تكلمهم وَلَا ترو عَنْهُم
فَإِنَّهُم يكذبُون
وَقَالَ حَرْمَلَة
سَمِعت الشَّافِعِي ﵁ يَقُول لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة
1 / 21
وَقَالَ مُؤَمل بن إهَاب سَمِعت يزِيد بن هَارُون يَقُول يكْتب عَن كل مُبْتَدع إِذا لم يكن دَاعِيَة إِلَّا الرافضة
فَإِنَّهُم يكذبُون
وَقَالَ مُحَمَّد بن سعيد الْأَصْفَهَانِي سَمِعت شَرِيكا يَقُول احْمِلْ الْعلم عَن كل من لَقيته إِلَّا الرافضة
فَإِنَّهُم يضعون الحَدِيث ويتخذونه دينا
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَة سَمِعت الْأَعْمَش يَقُول أدْركْت النَّاس وَمَا يسمونهم إِلَّا الْكَذَّابين يَعْنِي أَصْحَاب الْمُغيرَة بن سعيد
ورد شَهَادَة من عرف بِالْكَذِبِ مُتَّفق عَلَيْهِ
وَمن تَأمل كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل رأى الْمَعْرُوف عِنْد مصنفيها بِالْكَذِبِ فِي الشِّيعَة أَكثر مِنْهُم فِي جَمِيع الطوائف
والخوارج مَعَ مروقهم من الدّين فهم من أصدق النَّاس
1 / 22
حَتَّى قيل إِن حَدِيثهمْ من أصح الحَدِيث
والرافضة يقرونَ بِالْكَذِبِ حَيْثُ يَقُولُونَ ديننَا التقية
وَهَذَا هُوَ النِّفَاق
ثمَّ يَزْعمُونَ أَنهم هم الْمُؤْمِنُونَ ويصفون السَّابِقين الْأَوَّلين بِالرّدَّةِ والنفاق فهم كَمَا قيل رمتني بدائها وانسلت
1 / 23
ثمَّ عمدتهم فِي العقليات الْيَوْم على كتب الْمُعْتَزلَة فوافقوهم فِي الْقدر وسلب الصِّفَات وَمَا فِي الْمُعْتَزلَة من يطعن فِي خلَافَة الشَّيْخَيْنِ
بل جمهورهم يعظمونهما ويفضلونهما
وَكَانَ متكلموا الشِّيعَة كهشام بن الحكم وَهِشَام الجواليقي وَيُونُس بن عبد الرَّحْمَن القمى يبالغون فِي إِثْبَات الصِّفَات ويجسمون
1 / 24
قَالَ المُصَنّف ابْن المطهر أما بعد فَهَذِهِ رِسَالَة شريفة ومقالة لَطِيفَة إشتملت على أهم المطالب فِي أَحْكَام الدّين وأشرف مسَائِل الْمُسلمين
وَهِي مَسْأَلَة الْإِمَامَة الَّتِي يحصل بِسَبَب إِدْرَاكهَا نيل دَرَجَة الْكَرَامَة
وَهِي أحد أَرْكَان الْإِيمَان الْمُسْتَحق بِسَبَبِهِ الخلود فِي الْجنان
فقد قَالَ رَسُول الله ﷺ من مَاتَ وَلم يعرف إِمَام زَمَانه مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة خدمت بِهِ خزانَة السُّلْطَان الْأَعْظَم ملك مُلُوك طوائف الْعَرَب والعجم شاهنشاه غياث الْملَّة وَالدّين خدا بنده ورتبتها على فُصُول الأول فِي نقل الْمذَاهب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
الثَّانِي أَن مَذْهَب الإمامية وَاجِب الإتباع
الثَّالِث فِي الْأَدِلَّة على إِمَامَة عَليّ
الرَّابِع فِي الإثنى عشر
الْخَامِس فِي إبِْطَال خلَافَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان ﵃
فَيُقَال الْكَلَام على هَذَا من وُجُوه
فَقَوله إِن مَسْأَلَة الْإِمَامَة أهم المطالب كذب بِالْإِجْمَاع
إِذْ الْإِيمَان أهم فَمن الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَن الْكفَّار على عهد النَّبِي ﷺ كَانُوا إِذا أَسْلمُوا أجْرى عَلَيْهِم أَحْكَام الْإِسْلَام وَلم تذكر لَهُم الْإِمَامَة بِحَال
فَكيف تكون أهم المطالب
أم كَيفَ يكون الْإِيمَان بإمامة مُحَمَّد بن الْحسن المنتظر من أَرْبَعمِائَة ونيف وَسِتِّينَ سنة ليخرج من سرداب سامراء أهم من الْإِيمَان بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله ولقائه
وَيُقَال للرافضة إِن كَانَ مَا بِأَيْدِيكُمْ كَافِيا فِي الدّين فَلَا حَاجَة إِلَى المنتظر وَإِن لم يكن كَافِيا فقد أقررتم بِالنَّقْصِ والشقاء حَيْثُ كَانَت سعادتكم مَوْقُوفَة على أَمر آمُر لَا تعلمُونَ بِمَاذَا أَمر
وَكَانَ ابْن الْعود الحلى يَقُول إِذا اخْتلفت الإمامية على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا يعرف قَائِله وَالْآخر لَا يعرف قَائِله فَالْقَوْل الَّذِي لَا يعرف قَائِله هُوَ الْحق لِأَن المنتظر الْمَعْصُوم فِي تِلْكَ الطَّائِفَة فَأنْظر إِلَى هَذَا الْجَهْل فَإِنَّهُ بِتَقْدِير وجود المنتظر لَا يعلم أَنه قَالَ ذَلِك القَوْل
وَلم يَنْقُلهُ عَنهُ أحد فَمن أَيْن نجزم بِأَنَّهُ قَوْله فَأصل دين هَؤُلَاءِ مبْنى على مَجْهُول ومعدوم
فالمقصود من الإِمَام طَاعَة أمره وَلَا سَبِيل إِلَى معرفَة أمره فَلَا فَائِدَة فِيهِ أصلا لَا بعقل وَلَا بِنَقْل
فأوجبوا وجود المنتظر وعصمته
قَالُوا لِأَن مصلحَة الدّين وَالدُّنْيَا لَا تحصل إِلَّا بِهِ وهم فَمَا حصلت لَهُم بالمنتظر مصلحَة قطّ
وَالَّذين أنكروه لم تفتهم مصلحَة فِي الدّين وَلَا فِي الدُّنْيَا وَللَّه الْحَمد
1 / 25
فَإِن قُلْتُمْ إيمَاننَا بِهِ كَإِيمَانِ كثير من الصَّالِحين والزهاد بإلياس وَالْخضر والغوث والقطب مِمَّن لَا يعرف وجودهم وَلَا أَمرهم وَلَا نهيهم
قُلْنَا لَيْسَ الْإِيمَان بوجودهم وَاجِبا عِنْد أحد من الْعلمَاء فَمن أوجب الْإِيمَان بوجودهم كَانَ قَوْله مردودا كقولكم وَغَايَة مَا يَقُوله الزهاد فِي أُولَئِكَ أَن الْمُصدق بوجودهم أكمل وَأفضل مِمَّن يُنكر وجودهم وَمَعْلُوم بالإضطرار من الدّين أَن نَبِي الله ﷺ لم يشرع لأمته التَّصْدِيق بِوُجُود هَؤُلَاءِ
فَأَما من زعم أَن القطب أَو الْغَوْث هُوَ الَّذِي يمد أهل الأَرْض فِي هدَاهُم ونصرهم ورزقهم وَأَن هَذِه الْأُمُور لَا تصل إِلَى أحد من أهل الأَرْض إِلَّا بواسطته فَهَذَا ضال يشبه قَوْله قَول النَّصَارَى فِي الْبَاب وَهَذَا كَمَا قَالَ بعض الجهلة فِي النَّبِي ﷺ وَفِي شيوخهم أَن علم أحدهم ينطبق على علم الله وَقدرته فَيعلم مَا يُعلمهُ الله وَيقدر مَا يقدره الله
ثمَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَن الْخضر وإلياس مَاتَا
وَلَقَد خلا بِي بعض الإمامية وَطلب أَن أَتكَلّم مَعَه فقررت لَهُ قَوْلهم من أَن الله تَعَالَى أَمر الْعباد ونهاهم فَيجب أَن يفعل بهم اللطف وَالْإِمَام لطف لِأَن النَّاس إِذا كَانَ لَهُم إِمَام يَأْمُرهُم بِالْوَاجِبِ وينهاهم عَن الْقَبِيح كَانُوا أقرب إِلَى فعل الْمَأْمُور فَيجب أَن يكون لَهُم إِمَام وَلَا بُد أَن يكون مَعْصُوما ليحصل الْمَقْصُود بِهِ
وَلم تدع الْعِصْمَة لأحد بعد الرَّسُول ﷺ إِلَّا لعَلي فَتعين أَن يكون إِيَّاه للْإِجْمَاع على أَن غَيره لَيْسَ بمعصوم وَعلي قد نَص على الْحسن وَالْحسن على الْحُسَيْن ﵃ إِلَى أَن انْتَهَت النّوبَة إِلَى مُحَمَّد بن الْحسن المنتظر
فاعترف بِأَن هَذَا تَقْرِير جيد
1 / 26
قلت فانا وَأَنت طالبان للْعلم وَالْحق وَالْهدى وهم يَقُولُونَ من لم يُؤمن بالمنتظر فَهُوَ كَافِر فَهَل رَأَيْته أَو رَأَيْت من رَآهُ أَو سَمِعت لَهُ بِخَبَر أَو تعرف شَيْئا من كَلَامه قَالَ لَا
قلت فَأَي فَائِدَة فِي إيمَاننَا بِهَذَا وَأي لطف حصل لنا بِهِ وَكَيف يكلفنا الله تَعَالَى بِطَاعَة شخص لَا نعلم مَا يَأْمر بِهِ وَلَا مَا ينْهَى عَنهُ وَلَا طَرِيق لنا إِلَى معرفَة ذَلِك أصلا
وهم من أَشد النَّاس إنكارا لتكليف مَا لَا يُطَاق فَهَل فِي تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق أبلغ من هَذَا
فَقَالَ إِثْبَات هَذَا مَبْنِيّ على تِلْكَ الْمُقدمَات
قلت لَكِن الْمَقْصُود مِنْهَا لنا مَا يتَعَلَّق بِنَا نَحن وَإِلَّا فَمَا علينا مِمَّا مضى إِذا لم يتَعَلَّق بِنَا مِنْهُ أَمر وَلَا نهي
وَإِذا كَانَ كلامنا فِي تِلْكَ الْمُقدمَات لَا يحصل لنا فَائِدَة وَلَا لطفا علم أَن الْإِيمَان بالمنتظر من بَاب الْجَهْل لَا من بَاب اللطف والمصلحة
وَالَّذِي عِنْد الإمامية من النَّقْل عَن آبَائِهِ إِن كَانَ حَقًا محصلا للسعادة فَلَا حَاجَة إِلَى المنتظر وَإِن لم يكن محصلا للنجاة والسعادة فَمَا نفعهم المنتظر
ثمَّ مُجَرّد معرفَة الْإِنْسَان إِمَام وقته أَو رُؤْيَته لَا يسْتَحق بِهِ الْكَرَامَة إِن لم يُوَافق أمره وَنَهْيه فَمَا هُوَ بأبلغ من الرَّسُول ﷺ
فَكيف بِمن عرف الإِمَام وَهُوَ مضيع للفرائض مُعْتَد مُتَعَدٍّ للحدود
1 / 27
وَهُوَ يَقُولُونَ حب عَليّ ﵁ حَسَنَة لَا يضر مَعهَا سَيِّئَة فَإِن كَانَت السَّيِّئَات لَا تضر مَعَ حب عَليّ فَلَا حَاجَة إِلَى الإِمَام الْمَعْصُوم
وقولك إِن الْإِمَامَة أحد أَرْكَان الْإِيمَان جهل وبهتان فَإِن النَّبِي ﷺ فسر الْإِيمَان وشعبه وَلم يذكر الْإِمَامَة فِي أَرْكَانه وَلَا جَاءَ ذَلِك فِي الْقُرْآن بل قَالَ تَعَالَى الْأَنْفَال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم إِلَى قَوْله أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا) وَقَالَ تَعَالَى الحجرات ١٥ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ هم الصادقون) وَقَالَ تَعَالَى الْبَقَرَة ١٧٧ (لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا وُجُوهكُم إِلَى قَوْله وَأُولَئِكَ هم المتقون) إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات
وَلم يذكر الْإِمَامَة وَلَا أَنَّهَا من أَرْكَان الْإِسْلَام
وَأما قَوْلك فِي الحَدِيث من مَاتَ وَلم يعرف إِمَام زَمَانه مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة فَنَقُول من روى هَذَا وَأَيْنَ إِسْنَاده بل وَالله مَا قَالَه الرَّسُول ﷺ هَكَذَا
وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف مَا روى مُسلم أَن ابْن عمر جَاءَ إِلَى عبد الله بن مُطِيع حِين كَانَ من أَمر الْحرَّة مَا كَانَ فَقَالَ اطرحوا لأبي عبد الرَّحْمَن وسَادَة فَقَالَ إِنِّي لم آتِك لأجلس أَتَيْتُك لأحدثك حَدِيثا سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول من خلع يدا من طَاعَة لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة وَلَا حجَّة لَهُ وَمن مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقه بيعَة مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة
وَهَذَا حَدِيث حدث بِهِ إِبْنِ عمر لما خلعوا أَمِير وقتهم يزِيد مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الظُّلم فَدلَّ الحَدِيث
1 / 28
على أَن من لم يكن مُطيعًا لولاة الْأَمر أَو خرج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة
وَهَذَا ضد حَال الرافضة فَإِنَّهُم أبعد النَّاس عَن طَاعَة الْأُمَرَاء إِلَّا كرها وَهَذَا الحَدِيث يتَنَاوَل من قَاتل فِي العصبية والرافضة رُءُوس هَؤُلَاءِ وَلَكِن لَا يكفر الْمُسلم بالإقتتال فِي العصبية فَإِن خرج عَن الطَّاعَة ثمَّ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة لم يكن كَافِرًا
وَفِي صَحِيح مُسلم عَن جُنْدُب البَجلِيّ مَرْفُوعا من قتل تَحت راية عمية يَدْعُو إِلَى عصبية أَو ينصر عصبية فَقتلته جَاهِلِيَّة
وَفِي مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة من خرج من الطَّاعَة وَفَارق الْجَمَاعَة ثمَّ مَاتَ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة
فطالما خرجت الرافضة عَن الطَّاعَة وَفَارَقت الْجَمَاعَة
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي ﷺ قَالَ من رأى من أميره شَيْئا يكرههُ فليصبر فَإِن من فَارق الْجَمَاعَة شبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة
ثمَّ لَو صَحَّ الحَدِيث الَّذِي أوردته لَكَانَ عَلَيْكُم فَمن مِنْكُم يعرف إِمَام الزَّمَان أَو رَآهُ أَو رأى من رَآهُ أَو حفظ عَنهُ مَسْأَلَة بل تدعون إِلَى صبي ابْن ثَلَاث أَو خمس سِنِين
1 / 29
دخل سردابا من أَرْبَعمِائَة وَسِتِّينَ عَاما وَلم ير لَهُ عين وَلَا أثر وَلَا سمع لَهُ حس وَلَا خبر
وَإِنَّمَا أمرنَا بِطَاعَة أَئِمَّة موجودين معلومين لَهُم سُلْطَان وَأَن نطيعهم فِي الْمَعْرُوف دون الْمُنكر وَلمُسلم عَن عَوْف بن مَالك عَن النَّبِي ﷺ قَالَ خِيَار أئمتكم الَّذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عَلَيْهِم وَيصلونَ عَلَيْكُم وشرار أئمتكم الَّذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم
قُلْنَا يَا رَسُول الله أَفلا ننابذهم عِنْد ذَلِك قَالَ
لَا مَا أَقَامُوا فِيكُم الصَّلَاة
لَا مَا أَقَامُوا فِيكُم الصَّلَاة
أَلا من ولي عَلَيْهِ وَال فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئا من مَعْصِيّة الله فليكره مَا يَأْتِي من مَعْصِيّة الله وَلَا ينزعن يدا من طَاعَة
وَفِي الْبَاب أَحَادِيث عدَّة تدل على أَن الْأَئِمَّة لَيْسُوا بمعصومين
ثمَّ الأمامية يسلمُونَ أَن مَقْصُود الْإِمَامَة إِنَّمَا هُوَ فِي الْفُرُوع أما الْأُصُول فَلَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى الإِمَام وَهِي أهم وأشرف
وَإِمَام الزَّمَان اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُ مَا حصلت بِهِ بعد مصلحَة أصلا فَأَي سعي أضلّ من سعي من يتعب التَّعَب الطَّوِيل وَيكثر القال والقيل
وَيُفَارق جمَاعَة الْمُسلمين
ويلعن السَّابِقين
ويعين الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ
ويحتال بأنواع الْحِيَل
ويسلك أوعر السبل
ويعتضد بِشُهُود الزُّور
ويدلي أَتْبَاعه بِحَبل الْغرُور
ومقصودة
1 / 30
بذلك أَن يكون لَهُ إِمَام يدله على أَحْكَام الله تَعَالَى وَمَا حصل لَهُ من جِهَته مَنْفَعَة وَلَا مصلحَة إِلَّا ذهَاب نَفسه حسرات وارتكب الأخطاء وَطول الْأَسْفَار وأدمن الإنتظار وعادي أمة مُحَمَّد ﷺ لداخل فِي سرداب لَا عمل لَهُ وَلَا خطاب
وَلَو كَانَ مُتَيَقن الْوُجُود لما حصل لَهُم بِهِ مَنْفَعَة فَكيف وعقلاء الْأمة يعلمُونَ أَنه لَيْسَ مَعَهم إِلَّا الإفلاس وَأَن الْحسن بن عَليّ العسكري ﵁ لم يعقب كَمَا ذكره مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَعبد الْبَاقِي بن قَانِع وَغَيرهمَا من النسابين
ثمَّ يَقُولُونَ دخل السرداب وَله إِمَّا سنتَانِ وَإِمَّا ثَلَاث وَإِمَّا خمس وَهَذَا يَتِيم بِنَصّ الْقُرْآن تجب حضانته وَحفظ مَاله
فَإِذا صَار لَهُ سبع سِنِين أَمر بِالصَّلَاةِ
فَمن لَا تَوَضَّأ وَلَا صلى وَهُوَ تَحت الْحجر لَو كَانَ مَوْجُودا فَكيف يكون إِمَام أهل الأَرْض وَكَيف تضيع مصلحَة الْإِمَامَة مَعَ طول الدهور
1 / 31
الْفَصْل الأول فِي نقل الْمذَاهب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
قَالَ الْمُؤلف الرافضي ذهبت الإمامية إِلَى أَن الله عدل حَكِيم لَا يفعل قبيحا وَلَا يظلم وَأَنه رءوف بالعباد يفعل لَهُم مَا هُوَ الْأَصْلَح لَهُم إِلَى أَن قَالَ ثمَّ أرْدف الرسَالَة بعد موت الرَّسُول بِالْإِمَامَةِ فنصب أَوْلِيَاء معصومين ليأمن النَّاس من غلطهم وسهوهم وَلِئَلَّا يخلي الله الْعَالم من لطفه وَرَحمته وَأَنه لما بعث مُحَمَّدًا ﷺ قَامَ بثقل الرسَالَة وَنَصّ على أَن الْخَلِيفَة من بعده عَليّ ثمَّ من بعد عَليّ وَلَده الْحسن ثمَّ على وَلَده الْحُسَيْن ثمَّ على عَليّ بن الْحُسَيْن ثمَّ على مُحَمَّد ثمَّ على جَعْفَر ثمَّ على مُوسَى بن جَعْفَر ثمَّ على عَليّ بن مُوسَى ثمَّ على مُحَمَّد بن عَليّ الْجواد ثمَّ على عَليّ بن مُحَمَّد الْهَادِي ثمَّ على الْحسن بن عَليّ العسكري ثمَّ على الْحجَّة مُحَمَّد بن الْحسن
وَأَن النَّبِي ﷺ لم يمت إِلَّا عَن وَصِيَّة بِالْإِمَامَةِ
وَأهل السّنة ذَهَبُوا إِلَى خلاف ذَلِك كُله فَلم يثبتوا الْعدْل وَالْحكمَة فِي أَفعاله تَعَالَى وجوزوا عَلَيْهِ فعل الْقَبِيح والإخلال بِالْوَاجِبِ وَأَنه تَعَالَى لَا يفعل لغَرَض بل أَفعاله كلهَا لَا لغَرَض من الْأَغْرَاض وَلَا لحكمة وَأَنه يفعل الظُّلم والعبث وَأَنه لَا يفعل الْأَصْلَح لِعِبَادِهِ بل مَا هُوَ الْفساد فِي الْحَقِيقَة كَفعل الْمعاصِي وأنواع الْكفْر فَجَمِيع أَنْوَاع الْفساد الْوَاقِعَة فِي الْعَالم مُسندَة إِلَيْهِ
وَأَن الْمُطِيع لَا يسْتَحق ثَوابًا والعاصي لَا يسْتَحق عقَابا قد يعذب النَّبِي ويثيب إِبْلِيس وَفرْعَوْن
وَأَن الْأَنْبِيَاء غير معصومين بل قد يَقع مِنْهُم الْخَطَأ وَالْفِسْق وَالْكذب
وَأَن النَّبِي ﷺ لم ينص على إِمَامَة بل مَاتَ عَن غير وَصِيَّة وَأَن الإِمَام بعده أَبُو بكر بمبايعة عمر وبرضا أَرْبَعَة أبي عُبَيْدَة وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة وَأسيد بن حضير وَبشير بن سعد
ثمَّ من بعده عمر بِنَصّ أبي بكر
ثمَّ عُثْمَان
1 / 32
ينص عمر على سِتَّة هُوَ أحدهم فأختاره بَعضهم
ثمَّ عَليّ بمبايعة الْخلق لَهُ ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ بَعضهم إِن الإِمَام بعده حسن وَبَعْضهمْ قَالَ مُعَاوِيَة ثمَّ ساقوا الْإِمَامَة فِي بني أُميَّة إِلَى أَن ظهر السفاح
قُلْنَا هَذَا النَّقْل لمَذْهَب أهل السّنة والرافضة فِيهِ من التحريف وَالْكذب مَا نذكرهُ
فَمِنْهُ أَن إِدْخَال الْقدر وَالْعدْل فِي هَذَا الْبَاب بَاطِل من الْجَانِبَيْنِ إِذْ كل قَول مِنْهُ قد قَالَ بِهِ طوائف من السّنة والشيعة
فالشيعة مِنْهُم طوائف تثبت الْقدر وتنكر التَّعْدِيل والتجوير
وَالَّذين يقرونَ بخلافة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان ﵃ فيهم طوائف تَقول بالتعديل والتجوير
فَإِن الْمُعْتَزلَة أصل هَذَا
وَإِن شُيُوخ الرافضة كالمفيد والموسوى والطوسي والكراجكي إِنَّمَا أخذُوا ذَلِك من الْمُعْتَزلَة وَإِلَّا فالقدماء من الشِّيعَة لَا يُوجد فِي كَلَامهم شَيْء من هَذَا فَذكره الْقدر فِي مسَائِل الْإِمَامَة لَا مدْخل لَهُ بِوَجْه
وَمَا نَقله عَن الإمامية لم يحرره فَإِن من تَمام قَوْلهم إِن الله لم يخلق شَيْئا من أَفعَال الْحَيَوَان بل تحدث الْحَوَادِث بِغَيْر قدرته وَلَا خلقه
وَمن قَوْلهم إِن الله لَا يقدر أَن يهدي ضَالًّا وَلَا يقدر أَن يضل مهتديا
وَلَا يحْتَاج أحد من الْبشر إِلَى أَن يهديه الله بل الله قد هدَاهُم هدى الْبَيَان وَأما الإهتداء فقد يَهْتَدِي بِنَفسِهِ لَا بمعونة الله لَهُ وَمن قَوْلهم
1 / 33
إِن هدى الله للْمُؤْمِنين وَالْكفَّار سَوَاء لَيْسَ على الْمُؤمنِينَ نعْمَة فِي الدّين أعظم من نعْمَته على الْكَافرين بل قد هدي عليا بِمَا هدي أَبَا جهل بِمَنْزِلَة الْأَب الَّذِي يُعْطي أحد إبنيه دَرَاهِم وَيُعْطِي الآخر مثلهَا فأنفقها هَذَا فِي الطَّاعَة وَهَذَا فِي الْمعْصِيَة
وَمن أَقْوَالهم إِنَّه يَشَاء مَا لَا يكون وَيكون مَا لَا يَشَاء فَلَا يثبتون لله مَشِيئَة عَامَّة وَلَا قدرَة تَامَّة وَلَا خلقا متناولا لكل حَادث
وَهَذَا نَص قَول الْمُعْتَزلَة
وَلِهَذَا كَانَت الشِّيعَة فِي هَذَا على قَوْلَيْنِ
وَقَوله انه نصب أَوْلِيَاء معصومين لِئَلَّا يخلي الله الْعَالم من لطفه فهم يَقُولُونَ إِن الْأَئِمَّة المعصومين مقهورون مظلومون عاجزون لَيْسَ لَهُم سُلْطَان وَلَا قدرَة حَتَّى أَنهم يَقُولُونَ ذَلِك فِي عَليّ ﵁ مُنْذُ مَاتَ النَّبِي ﷺ إِلَى أَن اسْتخْلف وَفِي الإثني عشر ويقرون أَن الله مَا مكنهم وَلَا ملكهم وَقد قَالَ تَعَالَى ﴿فقد آتَيْنَا آل إِبْرَاهِيم الْكتاب وَالْحكمَة وآتيناهم ملكا عَظِيما﴾
فَإِن قيل المُرَاد بنصبهم أَنه أوجب عَلَيْهِم طاعتهم فَإِذا أطاعوهم هدوهم وَلَكِن الْخلق عصوهم
فَيُقَال لم يحصل بِمُجَرَّد ذَلِك فِي الْعَالم لَا لطف وَلَا رَحْمَة بل إِنَّمَا حصل تَكْذِيب النَّاس لَهُم ومعصيتهم إيَّاهُم
والمنتظر مَا انْتفع بِهِ من أقرّ بِهِ وَلَا من جَحده
وَأما سَائِر الإثني عشر سوى عَليّ ﵁ فَكَانَت الْمَنْفَعَة بأحدهم كالمنفع بأمثاله من أَئِمَّة الدّين وَالْعلم
وَأما الْمَنْفَعَة الْمَطْلُوبَة من أولى الْأَمر فَلم تحصل بهم
فَتبين أَن مَا ذكره من اللطف تلبيس وَكذب
وَقَوله إِن أهل السّنة لم يثبتوا الْعدْل وَالْحكمَة إِلَخ نقل بَاطِل عَنْهُم من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن كثيرا من أهل النّظر الَّذين يُنكرُونَ النَّص يثبتون الْعدْل وَالْحكمَة كالمعتزلة وَمن وافقهم
ثمَّ سَائِر أهل السّنة مَا فيهم من يَقُول إِنَّه تَعَالَى لَيْسَ بِحَكِيم وَلَا إِنَّه يفعل قبيحا فَلَيْسَ فِي الْمُسلمين من يتَكَلَّم بِإِطْلَاق هَذَا إِلَّا حل دَمه
وَلَكِن مَسْأَلَة الْقدر فِيهَا نزاع فِي الْجُمْلَة فَقَوْل الْمُعْتَزلَة ذهب إِلَيْهِ متأخرو الإمامية وَجُمْهُور الْمُسلمين من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأهل الْبَيْت فتنازعوا فِي تَفْسِير عدل الله وحكمته وَالظُّلم الَّذِي يجب تنزيهه عَنهُ وَفِي تَعْلِيل أَفعاله وَأَحْكَامه فَقَالَت طَائِفَة إِن الظُّلم مُمْتَنع
1 / 34
عَلَيْهِ وَهُوَ محَال لذاته كالجمع بَين الضدين وَأَن كل مُمكن مَقْدُور فَلَيْسَ هُوَ ظلما
وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ إِنَّه لَو عذب المطيعين وَنعم العصاة لم يكن ظلما
وَقَالُوا الظُّلم التَّصَرُّف فِيمَا لَيْسَ لَهُ وَالله لَهُ كل شَيْء وَهَذَا قَول كثير من أهل الْكَلَام الْمُؤمنِينَ بِالْقدرِ وَقَول عدَّة من الْفُقَهَاء وَقَالَت طَائِفَة بل الظُّلم مَقْدُور مُمكن وَالله لَا يَفْعَله لعدله وَبِهَذَا مدح نَفسه إِذْ يَقُول يُونُس ٤٤ ﴿إِن الله لَا يظلم النَّاس شَيْئا﴾ والمدح إِنَّمَا يكون بترك الْمَقْدُور وَقَالُوا وَقد قَالَ (وَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن فَلَا يخَاف ظلما وَلَا هضما) وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَقضي بَينهم بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ﴾ وَقَالَ ﴿وَمَا أَنا بظلام للعبيد﴾ وَإِنَّمَا نزه نَفسه عَن أَمر يقدر عَلَيْهِ لَا على المستحيل
وَثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي ﷺ
أَن الله يَقُول يَا عبَادي إِنِّي حرمت الظُّلم على نَفسِي فقد حرم الظُّلم على نَفسه كَمَا ﴿كتب على نَفسه الرَّحْمَة﴾ وَفِي الصَّحِيح إِن الله لما قضى الْخلق كتب فِي كتاب فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش إِن رَحْمَتي غلبت غَضَبي وَمَا كتبه على نَفسه أَو حرمه على نَفسه فَلَا يكون إِلَّا مَقْدُورًا لَهُ فالممتنع لنَفسِهِ لَا يَكْتُبهُ على نَفسه وَلَا يحرمه على نَفسه وَهَذَا قَول أَكثر أهل السّنة والمثبتين للقدر من أهل الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وَالْكَلَام والتصوف
وعَلى هَذَا القَوْل فَهَؤُلَاءِ هم الْقَائِلُونَ بِعدْل الله وإحسانه دون من يَقُول من الْقَدَرِيَّة إِن من فعل كَبِيرَة حَبط إيمَانه فَهَذَا نوع من الظُّلم الَّذِي نزه الله نَفسه عَنهُ وَهُوَ الْقَائِل (فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره) فَمن إعتقد أَن مِنْهُ على الْمُؤمن بالهداية دون الْكَافِر ظلم فَهَذَا جهل لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن هَذَا تَفْضِيل قَالَ الله تَعَالَى ﴿بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ وكما قَالَت الْأَنْبِيَاء ﴿إِن نَحن إِلَّا بشر مثلكُمْ وَلَكِن الله يمن على من يَشَاء﴾ فَهُوَ تَعَالَى إِلَّا يضع الْعقُوبَة إِلَّا فِي الْمحل الَّذِي يَسْتَحِقهَا لَا يضع الْعقُوبَة على محسن
1 / 35
أبدا وَلِهَذَا قيل
كل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل وَلِهَذَا يخبر أَنه يُعَاقب النَّاس بِذُنُوبِهِمْ وَأَن إنعامه عَلَيْهِم إِحْسَان مِنْهُ وَفِي الصَّحِيح فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه وَقَالَ تَعَالَى (مَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله) أَي مَا أَصَابَك من نعم تحبها كالنصر والرزق فَالله أنعم بذلك عَلَيْك وَمَا أَصَابَك من نقم تكرهها فبذنوبك وخطاياك
فالحسنات والسيئات هُنَا النعم والمصائب كَمَا قَالَ (وبلوناهم بِالْحَسَنَاتِ والسيئات) وَقَالَ ﴿إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم﴾ وَقَالَ ﴿إِن تمسسكم حَسَنَة تسؤهم وَإِن تصبكم سَيِّئَة يفرحوا بهَا﴾
وَأجْمع الْمُسلمُونَ على أَنه تَعَالَى مَوْصُوف بالحكمة فَقَالَت طَائِفَة مَعْنَاهَا رَاجع إِلَى الْعلم بِأَفْعَال الْعباد وإيقاعها على الْوَجْه الَّذِي أَرَادَهُ وَقَالَ جُمْهُور السّنة
بل هُوَ حَكِيم فِي خلقه وَأمره
وَالْحكمَة لَيست هِيَ مُطلق الْمَشِيئَة إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ كل مُرِيد حكيما
وَمَعْلُوم أَن الْإِرَادَة تَنْقَسِم إِلَى إِرَادَة محمودة ومذمومة بل الْحِكْمَة مَا فِي خلقه وَأمره من العواقب المحمودة
وَأَصْحَاب القَوْل الأول كالأشعري وَمن وَافقه من الْفُقَهَاء يَقُولُونَ لَيْسَ فِي الْقُرْآن لَام التَّعْلِيل فِي أَفعَال الله بل لَيْسَ فِيهِ إِلَّا لَام الْعَاقِبَة
وَأما الْجُمْهُور فَيَقُولُونَ
بل لَام التَّعْلِيل دَاخِلَة فِي أَفعاله وَأَحْكَامه
وَهَذِه الْمَسْأَلَة لَا تتَعَلَّق بِالْإِمَامَةِ أصلا وَأكْثر أهل السّنة على إِثْبَات الْحِكْمَة وَالتَّعْلِيل فَمن أنكر ذَلِك احْتج بحجتين
إِحْدَاهمَا أَن ذَلِك يلْزم التسلسل فَإِنَّهُ إِذا فعل لعِلَّة فَتلك الْعلَّة أَيْضا حَادِثَة وتفتقر إِلَى عِلّة إِن وَجب أَن يكون لكل حَادث عِلّة وَإِن عقل الإحداث بِلَا عِلّة لم يحْتَج إِلَى إِثْبَات عِلّة
الثَّانِيَة أَنهم قَالُوا من فعل لعِلَّة كَانَ مستكملا بهَا لِأَنَّهُ لَو لم يكن حُصُول الْعلَّة أولى من عدمهَا لم تكن عِلّة والمتكمل بِغَيْرِهِ نَاقص بِنَفسِهِ وَذَلِكَ مُمْتَنع على الله
وأوردوا على الْمُعْتَزلَة حجَّة تقطعهم على أصولهم فَقَالُوا الْعلَّة
1 / 36