وقدْ سبأتُ لفتيانِ ذوي كرمٍ ... قبلَ الصباحِ ولمَّا تقرعُ النقُسُ
صرْفًا وممزوجةً كأنَّ شارِبَها ... وإنْ تشددَ أنْ يهتابَهُ هوسُ
ثمَّ ظللنا تغني القومَ داجنةٌ ... لعساءُ لا ثعلٌ فيها ولا كسسُ
ومسمعاتٌ وجردٌ غير مقرفةٍ ... شمُّ السنابكِ في أكتافِها قعسُ
وجاملٍ كزهاءِ اللابِ كلفَهُ ... ذو عرمضٍ من مياهِ القيرِ أو قدسُ
ماءً قصيرَ رشاءِ الدلوْ مؤتزرًا ... بالخيزُرانةِ لا ملحٌ ولا نمسُ
توفي الحمامُ عليه كلَّ ضاحِيةٍ ... وللضفادعِ في حافاتهِ جرسُ
أتى الصريخُ وسرْبالِي مظاهرةٌ ... من نسجِ داوود يجلُو سكها اللبَسُ
تغشَ البنانَ لها صوتٌ إذا انتسجتْ ... كما استخفَّ حصيدُ الأبطحِ اليبسُ
وقال الأسود بن يعفر أيضًا: الطويل
أبينتَ رسمَ الدَّار أمْ لم تبينِ ... لسلمى عفتْ بينَ الكلابِ وتيمنِ
كأنَّ بقايا رَسْمها بعدَ ما جَلَتْ ... لكَ الريحُ منها عنْ محلٍّ مدمَّنِ
مجالسُ أيسارٍ وملعبُ سامرٍ ... وموقدُ نارٍ عهدها غيرُ مزمِنِ
سطورُ يهوديينِ في مهرقيهما ... مجيدين من تيماءَ أو أهلِ مديَنِ
فدمعكَ إلاَّ ما كففتَ غروبَهُ ... كوالِفِ بالٍ من مزادٍ وعينِ
بكاءً عليها كلَّ صيفٍ ومربعٍ ... كأديانهِ من غمرة ابنةِ محجنِ
تبصرْ خليلي هلْ ترى منْ ظعائنٍ ... غدونَ لبينٍ منْ نوَى الحيِّ أبينِ
تردينَ أنطاكيةً ذاتَ بهجةٍ ... على شرعبيٍّ من يمانٍ مدهَّنِ
جعلنَ بليلٍ وارداتٍ وهضَها ... شمالًا ومنهنَّ البدِيُّ بأيمنِ
فأضحتْ تراءاهَا العيونُ كأنَّها ... على الشرفِ الأعلى نخيلُ ابن يامنِ
أو الأثابُ العمُّ الذُّرَى أوْ كأنها ... خلايا عدوليِّ السفينِ المعمِّنِ
فجئنَ وقرنُ الشمسِ لمْ يعد أن بَدا ... ففئنَ إلى حورٍ نواعِمُ بدَّنِ
وكورٍ على أنماطِ بيضٍ مزخرفٍ ... مدينيةٍ أوفَى بها حجُّ مسكنِ
فقلنَ أقيلُونَا فقلنَ بنعمةٍ ... لدى كلِّ خدرٍ ذي شفوفٍ مزينِ
يطالعننا منْ كلِّ خملٍ وكلَّةٍ ... بمخضوبةٍ حُمْرٍ لطافٍ وأعيُنِ
ألَم يأتِها أن قدْ صحوتُ عنِ الصِّبا ... وآلتْ إلى أُكرومةٍ وتدينِ
وفارقتُ لذاتِ الشبابِ وأهلَهُ ... كفرقةِ غادٍ مشئمٍ لميمنِ
وذِي نسبٍ دانٍ تجلدْتُ بعدهُ ... على رزئهِ ورزؤُهُ غيرُ هينِ
كريمٍ ثناهُ تمطرُ الخيرَ كفهُ ... كثيرُ رمادِ القدرِ غير ملعَّنِ
غدا غير مملولٍ لديَّ جماعُهُ ... ولا هوَ عنْ طولِ التعاشرِ ملنِي
وحسرةِ حُزْنٍ في الفؤادِ مريرةٍ ... تحييتُهَا والمرءُ ما يغنَ يحزَنِ
ونخوةِ أقوامٍ عليَّ درأتُها ... بسطوةِ أيدٍ منْ رجالٍ وألسُنِ
وندمانِ صدقٍ لا يرى الفحشَ رائحًا ... لديهِ لمخزونِ المدامةِ مدمِنِ
بكرْتُ عليهِ والدجاجُ معرِّسٌ ... جثومٌ وضوءُ الصبحِ لم يتبينِ
فظلتْ تدورُ الكأسُ بينِي وبينهُ ... إذا هِي أكرتْ قالَ صاحِ ألا اسقِنِي
فرُحْنا أصيلالًا ترانا كأننا ... ذوو قيصَر أو آلَ كسرَى بن سوسنِ
وغانيةٍ قطعتُ أسبابَ وصلِها ... بحرفٍ كعرشِ الهاجرِيِّ المطيَّنِ
تكادُ تطيرُ الرحلَ لولا نُسُوعهُ ... إذا شفنتْ إلى القطيعِ الممرَّنِ
كأنَّ قتودِي حينَ لانتْ وراجعَتْ ... طريقةَ مرفوعٍ من السيرِ ليِّنِ
على وحدٍ طاوٍ أفزَّتْ فؤادَهُ ... كلابُ ذريحٍ أو كلابُ ابنِ ميزنِ
وقال الأسود أيضًا: الطويل
أَلاَّ حيِّ سلمى في الخليطِ المفارقِ ... وألمِمْ بها إنْ جدَّ بينُ الحرائِقِ
وما خفتُ منها البينَ حتى رأيتُهَا ... عَلا عيرَها في الصبّحِ أصواتُ سائِقِ
تجنبنَ خروبًا وهنَّ جوازِعٌ ... على طيةٍ يعدلنَ رملَ الصعافقِ
سنلْقاكِ يوما والرِّكَابُ ذواقِنٌ ... بنعمانَ أو يلْقاكِ يومَ التحالقِ
وتشفِي فؤادِي نظرةٌ من لقائِها ... وقلَّتْ متاعًا من لبانةِ عاشِقِ
أًَلا إنَّ سلمى قدْ رمتكَ بسهمِها ... وكيفَ استباءُ القلبِ من لم يُناطِقِ
1 / 37