تناسأَ عن شربِ القرينةِ أهلُهَا ... وعادَ بها شاءُ العدوِّ وجاملُهْ
تمشَّى بها سودُ الظباءِ كأنَّها ... جنا مهرقانٍ فاضَ بالليلِ ساحلُهْ
وبدِّلَ حالًا بعد حالٍ وعيشةً ... بعيشتنا ضيقُ الركاءِ فعاقِلُهْ
سخاخًا يزجي الذئبُ بينَ سهوبهَا ... ونجلُ النعامِ رزُّهُ وأزاملُهْ
ألاَ رُبَّ عيشِ صالحٍ قدْ لقيتهُ ... بضيقِ الركاءِ إذْ بهِ منْ نواصلُهْ
إذِ الدهرُ محمودُ السجياتِ تجتنَى ... ثمارُ الهوَى منهُ ويؤمنُ غائلُهْ
وحيٍّ حلالٍ قدْ رأينَا ومجلسٍ ... تعادَآ بجنانِ الدحولِ قنابلُهْ
هُمُ المانعونَ الحقَّ منْ عندِ أصلِهِ ... بأحلامِهم حتى تصابَ مفاصلُهْ
همُ الضاربونَ اليقدُميةَ تعترِي ... بما في الجفونِ أخلصتهُ صياقلُهْ
مصاليتُ فكاكونَ للسبْي بعدمَا ... يعضُّ على أيدي السَّبِيِّ سلاسلُهْ
وكمْ منْ مقامٍ قدْ شهدنَا بخطةٍ ... نشجُّ ونأسُوا أو كريمٍ نفاضلُهْ
وكمْ منْ كميٍّ قدْ شككنا قميصَهُ ... بأزرَقَ عسالٍ إذا هزَّ عاملُهْ
وإنَّا لنحدُو الأمرَ عندَ حدائهِ ... إذا عيَّ بالأمرِ الفظيعِ قوابلهْ
نعينُ على معروفهِ ونمرُّهُ ... على شزنٍ حتَّى تجالَ جوائلهْ
ألم تَر أنَّ المَالَ يخلفُ نسلُهُ ... ويأْتي عليه حقُّ دهْرٍ وباطِلُهْ
فأخلفْ وأتلفْ إنما المالُ عارةٌ ... وكلهُ مع الدهرِ الذي هوَ آكلُهْ
ومضطربِ النسعينِ مطردِ القرَى ... تحدَّرَ رشحًا ليتهُ وفلائلُهْ
ذواتُ البقايا البُزْلُ لا شيءَ فوقها ... ولا دونهَا أمثالهُ وقَتائلُهْ
رميتُ بهِ الموماةَ يركبُ رأسهُ ... إذا جالَ في بحرِ السرَابِ جوائلُهْ
إذا ظلتِ العيسُ الخوامِسُ والقَطا ... معًا في هَدَالٍ يتبعُ الريحَ مائلُهْ
توسدُ ألْحِي العيسِ أجنحَةَ القَطا ... وما في أداوَى القومِ جفٌّ صلاصلُهْ
وغيثٍ تبطنْتُ الندَى في تلاعِهِ ... بمضطلعِ التعدَاءِ نهدٍ مراكلُهْ
شديدِ مناطِ القصريين مصامصٍ ... صنيعِ رباطٍ لمْ تغمزْ أباجِلُهْ
غدوتُ بهِ فردينِ ينفضُ رأسهُ ... يقاتلني حالًا وحالًا أقاتلهْ
فلما رأيتُ الوحشَ أيَّهْتُ وانتحَى ... بهِ أفكَلٌ حتى اسْتَخَفَّتْ خصائِلُهْ
تمطيتُ أخليهِ اللجامَ وبذَّنِي ... وشخصي يُسامِي شخصهُ ويطاولُهْ
كأنَّ يديهِ والغُلامُ ينوشُهُ ... يدَا بطلٍ عارِي القميصِ أزاولُهْ
فمَا نيلَ حتَّى مدَّ ضبعِي عنانَهُ ... وقلتُ متى مستكرَهُ الكفِّ نائلُهْ
وحاوطني حتَّى ثنيتُ عنانهُ ... على مدبرِ العلباءِ ريانَ كاهِلُهْ
فألجمتُهُ منْ بعدِ جهدٍ وقدْ أتَى ... منَ الأرضِ دونَ الوحشِ غيبٌ مجاهِلُهْ
فلمَّا احتضنتُ جوزهُ مالَ ميلةً ... بهِ الغربُ حتى قلتُ هلْ أنتَ عادلُهْ
وأغرقني حتى تكفَّتَ مئزري ... إلى الحجزةِ العليا وطارَتْ ذلاذِلُهْ
فدَلَّيتُ نهامًا كأنَّ هويهُ ... هويُّ قطامِيٍّ تلتهُ أجادِلُهْ
على إثرِ شحاجٍ لطيفٍ مصيرُه ... يمجُّ لعاعَ العضرِسِ الجونِ ساعِلُهْ
مفجٌّ من اللائي إذا كنتَ خلفَهُ ... بدا نحرُهُ منْ خلفِهِ وجحافلُهْ
إذا كانَ جريُ العيْر في الوعْثِ ديمةً ... تغمدَ جريَ العَيرِ في الوَعْثِ وابِلُهْ
فلمَّا اجتمعنَا في الغُبارِ حبستُهُ ... مَدَى النبلِ يدمَى مرفقاهُ وفائلُهْ
وجاوزهُ مستأْنِسُ الشَّأوِ شاخِصٌ ... كما استأَنسَ الذئبَ الطريدُ يغاولُهْ
فأعصمتُ عنهُ بالنزولِ مجلِّحًا ... كتيسِ الظباءِ أفزَعَ القلبَ حابلُهْ
فايهتُ تأييهًا بهِ وهو مدبرٌ ... فأقبلَ وهواهًا تحدرَ واشلُهْ
خدَى مثلَ خدْيِ الفالجيِّ ينوشُني ... بخبطِ يديهِ عيلَ ما هُوَ عائلُهْ
إذا مأقياهُ أصفقَا الطرفَ صفقَةً ... كصفْقِ الصَّناعِ بالطبابِ تقابلُهْ
حسبتَ التقاءَ مأقييْهِ بطرفهِ ... سقوطُ جمانٍ أخطأَ السلكَ واصلُهْ
ترى النعراتِ الخضرَ تحتَ لبانهِ ... فرادَى ومثنَى أضعفتهَا صواهِلُهْ
1 / 26