زبنتكَ أركانُ العدوّ فأصبحت ... أجأٌ وجبةُ من قرارِ ديارِها
وكأنَّها دقرى تخيلُ نبتَها ... أنفٌ يغمُّ الضال نبتُ بحارِها
عزبتْ وباكرها السميُّ بديمةٍ ... وطفاءَ تملأها إلى أصبارِها
وكأنَّ أنماطَ المداين وسطَها ... من نورِ حنوتها ومنْ جرجارِها
ولقد لهوتُ بطفلةٍ مياليةٍ ... بلهاءَ تطلعني على أسرارِها
عبقَ الممسكُ والعبيرُ بجيبها ... وكأنَّ نضخَ دَمٍ على أظفارِها
وكأنَّها عيناءُ أم جؤيذرٍ ... خذلتْ لهُ بالرَّملِ خلفَ صوارها
خرقٍ إذا ما نامَ طافتْ حوله ... طوفَ الكعابِ على جنوب دُوارها
بأغنَّ طفلٍ لا تصاحبُ غيرَه ... فلهُ عُفافةُ درّها وغرارها
هل تذكرينَ جزيتِ أحسنَ صالحٍ ... أيامنا بمليحةٍ فهرَارها
أزمانَ لم تأخذ إليَّ سلاحها ... إبلي بجلتها ولا أبكارها
اعتزها ألبانها ولحومها ... فأهينَ ذاكَ لضيفها ولجارِها
ولرفقةٍ في ليلةٍ مشمولةٍ ... نزلتْ بها فعدتْ على أسارِها
وأضاعَ أقوامٌ فسبتْ أمهمْ ... وأبوهمُ حتى يمتَّ بعارِها
كانوا يسيمون المخاضَ أمامها ... ويغرزون بها على أغبارها
ولقد شهدتُ إذا القداحُ توحدتْ ... وشهدتُ عند الليلِ موقدَ نارِها
عن ذات أوليةٍ أساودُ ربها ... وكأنَّ لونَ الملحِ فوقَ شفارِها
كانتْ عقيلةُ مالهِ فأذلهُ ... عنْ بعضِ قنيتها رجاةُ بكارِها
حتى إذا قسمَ النصيبُ وأصفقتْ ... يدهُ بجلدةِ ضرعِها وحوارِها
ظهرتْ ندامتهُ وهانَ بسخطهِ ... ثنيا على مربوعها وعذارِها
ولقد شهدتُ الخيلَ وهي مغيرةٌ ... وشهدتُها تعدُو على آثارِها
وحويتُ مغنمها أمامَ جيادها ... وكررتُ إذْ طردتْ على أدبارِها
ولقد شفيتُ من الركابِ ومشيها ... وزفيفها نفسي ومنْ أكوارِها
وقال النمر بن تولب: الطويل
تأبدَ منْ أطلالِ جمرةَ مأسلُ ... فقدْ أقفرتْ منها شراءٌ فيذبلُ
فبرقةُ أرمَامٍ فجنبا متالِعٍ ... فوادي المياهِ فالبديُّ فأنجلُ
ومنهَا بأعراضِ المحاضرِ دمنةٌ ... ومنها بوادِ المتلَهمَّةِ منزلُ
أناةٌ عليها لؤلؤٌ وزبرجدٌ ... ونظمٌ كأجوازِ الجرادِ مفصلُ
ترببها الترغيبُ والمخضُ خلفةً ... ومسكٌ وكافورٌ ولبنَى تأكلُ
يشنُّ عليها الزعفرانُ كأنَّهُ ... دمٌ قاربٌ تعلى بهِ ثمَّ يغسلُ
وكمْ دونها من كلِّ طودٍ ومهمةٍ ... وماءٍ لدى أحواضِهِ الذئبُ يعسلُ
سواءٌ عليها الشيخُ لم تَدرِ ما الصِّبا ... إذا ما رأتهُ والألوفُ المقتلُ
ودستْ رسولًا من بعيدٍ بآيةٍ ... بأنْ حيهم واسألهُمُ ما تموَّلوا
فحييتِ عن شحطٍ فخيرٌ حديثنا ... ولا يأمنُ الأيامَ إلا المضللُ
لنا فرسٌ من صالحِ الخيلِ نبتغي ... عليهِ عطاءَ اللهِ واللهُ ينحلُ
يردُّ علينا العيرَ من دونِ إلفهِ ... بقرقرةٍ والنقعُ لا يتزيلُ
وحمرٌ مدماةٌ كأنَّ ظهورَها ... ذرى كثبٍ قدْ بلها الطلُّ من علُ
عليها من الدهناءِ عتقٌ ومورَةٌ ... من الحزنِ كلًا بالمرابعِ تأكلُ
وفي جسمِ راعيها شحوبٌ كأنهُ ... هزالٌ وما مِنْ قلةِ الطعمِ يهزلُ
وقدْ سمنتْ حتى تظاهرَ نيُّها ... وليس عليها بالروادفِ محملُ
إذا وردتْ ماءً وإنْ كانَ صافيًا ... حدتهُ على دلوٍ يعلُّ وينهلُ
فلا الجارةُ الدُّنيا لها تلحينها ... ولا الضيفُ فيها إن أناخَ محولُ
إذا هتكتْ أطنابَ بيتٍ وأهلهُ ... بمعطنهَا لمْ يوردُوا الماء قيلُوا
وما قمعنا فيها الوطابَ وحولنا ... بيوتٌ عليها كلها فوهُ مقبلُ
أرى أمنا أضحتْ علينا كأنما ... تجللها منْ نافضِ الوردِ أفكلُ
رأتْ أُمَّنا وطبًا يجيءُ به امرؤٌ ... منَ الماءِ للبادينَ فهو مزملُ
فقالتْ فلانٌ قدْ أغاثَ عيالهُ ... وأودَى عيالٌ آخرونَ فهزلوا
فلما رأتهُ أمنا هانَ وجدُها ... وقالتْ أبونا هكذا كانَ يفعلُ
ألمْ يكُ ولدانٌ أعانوا ومجلسٌ ... قريبٌ فنخزى إذْ يكفُّ ويحملُ
1 / 20