خلافة الإمام أبي اليقظان بن محمد أفلح بويع بالخلافة أبو اليقظان سنة 231 ه ( 855 م ) تقريبا قيل بعد موت أخيه أبي بكر وقيل بتسليم منه إليه فكان إماما فحلا وشهما عظيما بكل ما تؤديه هذه الكلمة من معنى عادلا عدل الخلفاء الراشدين من قبله مصلحا إصلاح من لا ينسى نصيبه من الدنيا ولا يغل عما تتطلبه الحياة الأخرى من الزاد والعمل والتقوى والورع . بويع هذا الإمام وكانت الأحوال على أشد ما يتصور من الاضطراب والفوضى فقد استحكمت حلقات الفتنة في أغلب أطراف المملكة فمن ابن عرفة إلى ابن مسالة إلى غيرهما من دعاة الثورة وطلاب الشهرة .
لكن عزيمة هذا الرجل العظيم وقوة إرادته وثقته بالله وبنفسه تغلبت على هذه المصائب كلها فشمر عن ساعد الجد وجيش الجيوش واستنجد بجبال نفوسة فأنجدوه بجيش كثيف ثم حمل بهم على اتباع ابن عرفة قتيل أخيه حملات صادقة متتابعة إلى أن أخضعهم وأخمد فتنتهم ، ثم كر على محمد بن مسالة الأباضي الذي استولى على العاصمة ( تيهرت ) وتحصن فيها فلم يخرجه الإمام منها إلا بعد قتال كبير وجهاد عنيف وحصار دام سبع سنين ( وكان بن مسالة قبل ذلك أميرا مستقلا غير تابع لبني رستم ) ولما قهر الإمام هؤلاء البغاة وصفا له الجو ولى وجهه نحو الإصلاح والتنظيم فمهد الراحة وبسط الأمن واتخذ العدل شعارا في جميع أعماله ولم يغفل حتى عن الجزارين والحمالين فاستعمل عليهم رقباء فإن رأوا قصابا نفخ في شاة عاقبوه أو حيوانا حمل فوق طاقته أمروا صاحبه بالتخفيف عليه وهكذا الشأن في كل شيء كنظافة الشوارع والأزقة وسائر المرافق العامة ( 6).
Page 47