Le Tafsir condensé d'Ibn Kathir
مختصر تفسير ابن كثير
Maison d'édition
دار القرآن الكريم
Numéro d'édition
السابعة
Année de publication
١٤٠٢ هـ - ١٩٨١ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
Genres
مسْألة
وهل يسأل الساحر حلًا لسحره؟ فأجازه سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وقال الشَّعْبِيُّ: لَا بَأْسَ بِالنُّشْرَةِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَّا تنشَّرت، فَقَالَ: «أمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي وَخَشِيتُ أَنْ أَفْتَحَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا» وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ وَهْبٍ: أَنَّهُ قَالَ يُؤْخَذُ سَبْعُ وَرَقَاتٍ مِنْ سِدْرٍ، فَتُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ثُمَّ تُضْرَبُ بِالْمَاءِ وَيُقْرَأُ عَلَيْهَا آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَيَشْرَبُ مِنْهَا الْمَسْحُورُ ثَلَاثَ حَسَوَاتٍ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِبَاقِيهِ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ مَا بِهِ، وَهُوَ جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ الذِي يُؤْخَذُ عَنِ امْرَأَتِهِ (قُلْتُ): أَنْفَعُ مَا يُسْتَعْمَلُ لِإِذْهَابِ السِّحْرِ مَا أنزل الله على رسوله فِي إِذْهَابِ ذَلِكَ وَهُمَا الْمُعَوِّذَتَانِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «لم يتعوذ المتعوذ بِمِثْلِهِمَا» وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّهَا مُطَّرِدَةٌ للشيطان:
- ١٠٤ - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
- ١٠٥ - مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذو الفضل العظيم
نهى الله تعالى عباده الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِالْكَافِرِينَ فِي مَقَالِهِمْ وَفِعَالِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يُعَانُونَ مِنَ الْكَلَامِ مَا فِيهِ تَوْرِيَةٌ لِمَا يَقْصِدُونَهُ مِنَ التَّنْقِيصِ - عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ - فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا: اسمع لنا، يقولوا (راعنا) ويورُّون بِالرُّعُونَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا. لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدين﴾ وَكَذَلِكَ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سلَّموا إِنَّمَا يَقُولُونَ (السَّامُ عَلَيْكُمْ) وَالسَّامُ هُوَ الْمَوْتُ، وَلِهَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِمْ ب (وعليكم)، وَالْغَرَضُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُشَابَهَةِ الْكَافِرِينَ قَوْلًا وَفِعْلًا، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وقولا انظرنا واسمعوا وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وقال ﷺ: «من تشبه بقوم فهو منهم» (أخرجه أحمد وأبو داود عن ابن عمر ﵄ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّهْيِ الشَّدِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ عَلَى التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ، فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمُ التِي لم تشرع لنا ولا نقر عليها.
وروي أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: اعْهَدْ إِلِيَّ، فَقَالَ: إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ فَإِنَّهُ خيرٌ يَأْمُرُ بِهِ، أَوْ شَرٌّ يَنْهَى عنه، وقال الاعمش عن خيثمة ما تقرأون فِي الْقُرْآنِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فَإِنَّهُ في التوراة: (يا أيها المساكين) قال ابْنِ عَبَّاسٍ: (رَاعِنَا) أَيْ أَرْعِنَا سمعَك، وَقَالَ الضحاك: كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أرعنا سمعك، قال عطاء: كَانَتْ لُغَةً تَقُولَهَا الْأَنْصَارُ فَنَهَى اللَّهُ عَنْهَا، وقال أبو صخر: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَدْبَرَ نَادَاهُ مَن كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُ: أَرْعِنَا سَمْعَكَ، فَأَعْظَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لَهُ. وَقَالَ السُّدي: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ يُدْعَى (رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ) يَأْتِي النَّبِيَّ ﷺ فَإِذَا لَقِيَهُ فكلَّمه ⦗١٠٣⦘ قَالَ: أَرْعِنِي سَمْعَكَ، وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَحْسَبُونَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانَتْ تُفَخّم بِهَذَا، فَكَانَ نَاسٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: اسمع غير مسمع، فنهوا أن يقولوا راعنا، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّ اللَّهَ نَهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا لَنَبِيِّهِ ﷺ رَاعِنَا، لأنها كلمة كرهها الله تعالى أن يقولوها لنبيّه ﷺ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ يُبَيِّنُ بِذَلِكَ تَعَالَى شِدَّةَ عَدَاوَةِ الْكَافِرِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ، الذين حذَّر الله تَعَالَى مِنْ مُشَابِهَتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ لِيَقْطَعَ المودَّة بَيْنَهُمْ وبينهم، ونبَّه تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، مِنَ الشَّرْعِ التَّامِّ الْكَامِلِ، الذِي شَرَعَهُ لَنَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ ﷺ حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
1 / 102