Le Tafsir condensé d'Ibn Kathir
مختصر تفسير ابن كثير
Maison d'édition
دار القرآن الكريم
Numéro d'édition
السابعة
Année de publication
١٤٠٢ هـ - ١٩٨١ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
Genres
النَّمِيمَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: تَارَةً تَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ النَّاسِ وَتَفْرِيقِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ فَهَذَا حرام متفق عليه، فأما إن كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَائْتِلَافِ كلمة المسلمين، أو عَلَى وَجْهِ التَّخْذِيلِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ جُمُوعِ الْكَفَرَةِ؛ فَهَذَا أَمْرٌ مَطْلُوبٌ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الحرب خدعة» وإنما يحذوا على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النَّافِذَةُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
ثُمَّ قَالَ الرَّازِيُّ فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي أَقْسَامِ السِّحْرِ وَشَرْحِ أَنْوَاعِهِ وَأَصْنَافِهِ، (قُلْتُ): وَإِنَّمَا أَدْخَلَ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ فِي فَنِّ السِّحْرِ لِلَطَافَةِ مَدَارِكِهَا لِأَنَّ السِّحْرَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا لَطُفَ وَخَفِيَ سَبَبُهُ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا»، وَسُمِّيَ السُّحُورُ لِكَوْنِهِ يَقَعُ خفيًا آخر الليل، والسَّحْرُ: الرئة، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخَفَائِهَا وَلُطْفِ مَجَارِيهَا إِلَى أَجْزَاءِ البدن كَمَا قَالَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ لِعُتْبَةَ: انتفخ سَحْره، أَيِ انْتَفَخَتْ رِئَتُهُ مِنَ الْخَوْفِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ سَحْري ونحري.
وقال الْقُرْطُبِيُّ: وَعِنْدَنَا أَنَّ السِّحْرَ حَقٌّ، وَلَهُ حَقِيقَةٌ، يَخْلُقُ اللَّهُ عِنْدَهُ مَا يَشَاءُ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وأبي إسحاق الاسفرايني مِنَ الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّهُ تَمْوِيهٌ وَتَخَيُّلٌ، قَالَ: وَمِنَ السِّحْرِ مَا يَكُونُ بِخِفَّةِ الْيَدِ كالشعوذة، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ كَلَامًا يُحْفَظُ وَرُقًى مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ عُهُودِ الشَّيَاطِينِ، وَيَكُونُ أَدْوِيَةً وَأَدْخِنَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ، قَالَ: وَقَوْلُهُ ﵇: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَدْحًا كَمَا تَقَوَّلَهُ طَائِفَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَمًّا لِلْبَلَاغَةِ، قَالَ: وَهَذَا أصح، قال: لأنها تصوّب الباطل حتى توهم السامع أنه حق، كما قال ﵊: «فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي له» الحديث.
فصل
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ وَيَسْتَعْمِلُهُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يَكْفُرُ بِذَلِكَ، وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ قَالَ إِنْ تَعَلَّمَهُ لِيَتَّقِيَهُ أو ليجتنبه وَمَنْ تَعَلَّمَهُ مُعْتَقِدًا جَوَازَهُ أَوْ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ كَفَرَ، وَكَذَا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَآءُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: إِذَا تَعَلَّمَ السِّحْرَ قُلْنَا لَهُ: صِفْ لَنَا سِحْرَكَ، فَإِنْ وَصَفَ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مِثْلَ مَا اعْتَقَدَهُ أَهْلُ بَابِلَ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَى الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَأَنَّهَا تَفْعَلُ مَا يُلْتَمَسُ مِنْهَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ فَإِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ. فَأَمَّا إِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ إِنْسَانًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَ (مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ يُقِرَّ بِذَلِكَ فِي حَقِّ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَإِذَا قُتِلَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا عِنْدَهُمْ إِلَّا الشَّافِعِيُّ فإنه قال: يقتل والحالة هذه فصاصًا، قَالَ: وَهَلْ إِذَا تَابَ السَّاحِرُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عنهم: لَا تُقْبَلُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الأُخرى تُقْبَلُ، وَأَمَّا سَاحِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْتَلُ كَمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ المسلم، وقال مالك وأحمد والشافعي: لا يقتل لِقِصَّةِ (لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ)، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْلِمَةِ الساحرة، فعند أبي حنيفة أنها لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ، وَقَالَ الثَّلَاثَةُ حُكْمُهَا حكم الرجل والله أعلم.
1 / 101