Le Tafsir condensé d'Ibn Kathir
مختصر تفسير ابن كثير
Maison d'édition
دار القرآن الكريم
Numéro d'édition
السابعة
Année de publication
1402 AH
Lieu d'édition
بيروت
Genres
Tafsir
عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عنا وأرضانا».
ثم قال تعالى: ﴿يستبشون بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المؤمنين﴾ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هَذِهِ الْآيَةُ جَمَعَتِ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ سَوَاءً الشُّهَدَاءُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَلَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ فَضْلًا ذَكَرَ بِهِ الأنبياء وثوابًا أعطاهم الله إياه إلا ذكر الله ما أعطى المؤمنين من بعدهم.
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ هَذَا كَانَ يَوْمَ (حَمْرَاءِ الْأَسَدِ) وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَرُّوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ، فَلَمَّا استمروا في سيرهم ندموا لِمَ لَا تمَّموا عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَجَعَلُوهَا الْفَيْصَلَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ندب المسلمين إلى الذاهب وَرَاءَهُمْ لِيُرْعِبَهُمْ وَيُرِيَهُمْ أَنَّ بِهِمْ قُوَّةً وَجَلَدًا، وَلَمْ يَأْذَنْ لِأَحَدٍ سِوَى مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ يَوْمَ أُحُدٍ سِوَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵁ لما سنذكره، فانتذب المسلمون على ما بهم ما الْجِرَاحِ وَالْإِثْخَانِ طَاعَةً لِلَّهِ ﷿ وَلِرَسُولِهِ ﷺ. وعن عكرمة أنه: لَمَّا رَجَعَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ قَالُوا: لَا مُحَمَّدًا قَتَلْتُمْ، وَلَا الْكَوَاعِبَ أَرْدَفْتُمْ، بِئْسَمَا صَنَعْتُمْ، ارْجِعُوا فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ، فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغوا (حمراء الأسد) فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: نَرْجِعُ مَنْ قَابِلٍ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَكَانَتْ تُعَدُّ غزوة فأنزل الله تعالى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
قال محمد بن إسحاق، عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كان قد شهد أُحدًا، قال: شهدنا أُحدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنا وأخي ورجعنا جَرِيحَيْنِ، فَلَمَّا أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ قلت لأخي: أَتُفَوِّتُنَا غَزْوَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ وَاللَّهِ مَا لَنَا مِن دَابَّةٍ نَرْكَبُهَا، وَمَا مِنَّآ إِلاَّ جَرِيحٌ ثَقِيلٌ، فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكُنْتُ أَيْسَرَ جِرَاحًا مِنْهُ؛ فَكَانَ إِذَا غُلِبَ حملته عُقْبَةً؛ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَا انْتَهَى إِلَيْهِ المسلمون. وقال البخاري عن عائشة ﵂: ﴿الذي استجابوا لله والرسول﴾ الآية، قلت لعروة: يا ابن أختي كان أبوك منهم (الزبير) و(أبو بَكْرٍ) ﵄ لَمَّا أَصَابَ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ مَا أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا فَقَالَ: «مَنْ يَرْجِعُ فِي إِثْرِهِمْ»، فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ. وروي عن عروة قال، قالت لي عائشة إِنَّ أَبَاكَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ من بعد ما أصابهم القرح. وَكَانَتْ وَقْعَةُ أُحُد فِي شَوَّالٍ، وَكَانَ التُّجَّارُ يَقْدَمُونَ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَيَنْزِلُونَ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُمْ قَدِمُوا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُد، وَكَانَ أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ الْقَرْحُ وَاشْتَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَدَبَ النَّاسَ لِيَنْطَلِقُوا مَعَهُ وَيَتَّبِعُوا مَا كَانُوا مُتَّبِعِينَ، وَقَالَ: «إِنَّمَا يَرْتَحِلُونَ الْآنَ فَيَأْتُونَ الْحَجَّ وَلَا يَقْدِرُونَ على مثلها حتىعام مقبل»، فجاء الشيطان يخوف أَوْلِيَاءَهُ فَقَالَ: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابُوا وَرَجَعُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ رَجَعَ وَقَدْ قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبَ، فَمَنْ يَنْتَدِبُ فِي طَلَبِهِ»، فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وعلي وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فتبعوهم فَبَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَطْلُبُهُ فَلَقِيَ عِيرًا مِنَ التُّجَّارِ فَقَالَ: رُدُّوا مُحَمَّدًا وَلَكَمْ مِنَ الْجُعْلِ كَذَا وكذا، وأخبروهم أني قد جمعت جموعًا وأني راجع إليهم، فجاء التجار فأخبروا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:
1 / 338