254

Les éclairs envoyés sur les Jahmites et ceux qui nient les attributs divins

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Enquêteur

سيد إبراهيم

Maison d'édition

دار الحديث

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Lieu d'édition

القاهرة - مصر

Genres

يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ الرَّحْمَةَ سَبَقَتْ إِلَى هَذَا الْمُعَاقَبِ وَظَهَرَ أَثَرُهَا فِيهِ فَوُجِدَ بِهَا وَعَاشَ وَسَمِعَ وَأَبْصَرَ بِهَا، وَبَطَشَ بِهَا وَمَشَى وَتَحَرَّكَ بِهَا، وَإِلَّا لَوْلَا أَنَّهَا سَبَقَتْ إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيَامٌ وَلَا حَيَاةٌ، بَلْ إِنَّمَا اسْتَظْهَرَ عَلَى مَعَاصِي الرَّبِّ وَمُخَالَفَتِهِ بِالرَّحْمَةِ الَّتِي سَبَقَتْ إِلَيْهِ وَوَسِعَتْهُ فَغَلَبَتْ أَسْبَابَ هَلَاكِهِ وَتَلَفِهِ، فَلَمَّا تَمَكَّنَتْ أَسْبَابُ التَّلَفِ وَالْهَلَاكِ وَاقْتَضَتِ الرَّحْمَةُ أَنْ جُعِلَ لَهَا أَسْبَابٌ فِي مُقَابَلَتِهَا، مِنْ مُوجِبِهَا وَمُقْتَضَاهَا تَنْزِيلُهَا وَمَحْوُ أَثَرِهَا؛ لِيَخْلُصَ مُوجِبُ الرَّحْمَةِ فَيَظْهَرَ أَثَرُهُ، وَدَوَامُ الْعَذَابِ بِدَوَامِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ، فَلَوْ زَالَتْ لَزَالَ الْعَذَابُ.
يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّ هَذِهِ النُّفُوسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي الرَّحْمَةَ مِنْ إِقْرَارِهَا بِفَاطِرِهَا وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَسُؤَالِهِ، وَفِيهَا مَا يَقْتَضِي الْغَضَبَ وَالْعُقُوبَةَ كَالشِّرْكِ بِهِ وَإِيثَارِ هَوَاهَا عَلَى طَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ، وَلَمَّا كَانَ مُقْتَضَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا أَقْوَى كَانَ الْحُكْمُ لَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُقُوبَةَ إِنْ لَمْ تَذْهَبِ الْأَسْبَابُ الْمُقْتَضِيَةُ لَهَا وَلَمْ تُزِلْهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهَا تُخَفِّفُهَا وَتُضْعِفُهَا، فَإِمَّا أَنْ تُقَاوِمَ أَسْبَابًا وَإِمَّا أَنْ تَتَرَجَّحَ عَلَيْهَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَبْطُلُ أَثَرُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: ٢٥] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ [المؤمنون: ٨٤ - ٨٥] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ.
فَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْأَرْضَ وَمَنْ فِيهَا لَهُ، وَأَنَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَأَنَّ بِيَدِهِ مَلَكُوتَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَسَّهُمُ الضُّرُّ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَضَرَّعُوا إِلَيْهِ وَفَزِعُوا إِلَيْهِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا نَعْبُدُ مِنْ دُونِهِ هَذِهِ الْآلِهَةَ لِتُقَرِّبَنَا إِلَيْهِ وَتَشْفَعَ لَنَا عِنْدَهُ، وَهُوَ يَمْلِكُهَا، وَنَوَاصِيهَا بِيَدِهِ، وَيُحِبُّونَهُ وَيَقْصِدُونَ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ، وَهَذَا مِمَّا وَضَعَهُ فِيهِمْ بِرَحْمَتِهِ وَنِعْمَتِهِ، فَعَلِمَ فِيهِمْ مَا يَقْتَضِي رَحْمَتَهُ وَنِعْمَتَهُ وَلَكِنْ لَمَّا غَلَبَتْ أَسْبَابُ النِّقْمَةِ كَانَ الْحُكْمُ لِلْغَالِبِ، ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ اقْتِضَاءَ الْمَغْلُوبِ أَثَرُهُ وَتَرَتُّبُهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً أَوْ بُرَّةً، وَأَنَّهَا تُخْرِجُ مِنْهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ،

1 / 269