============================================================
يقول الدهلوي: "وكان السلف لا يختلفون في أصل المشروعية، وإنما كان خلافهم في أولى الأمرين، ونظيره اختلاف القراء في وجوه القراءات"(1).
وجاء دور الأئمة المجتهدين - رحمهم الله تعالى- فساروا على نهج سلفهم في الاستنباظ وبيان الأحكام.
وقد قيض الله تعالى لبعضهم تلامذة نجباء، فقيدوا آراء آثمتهم في كتب مدونة، وكان من هؤلاء الأئمة: وكان منهم أئمة آخرون لم تتوفر لأقوالهم وآرائهم الاجتهادية العناية والرعاية نفسها التي توفرت لغيرهم، فاندثرت أقوالهم وتفرقت آراؤهم في بطون الكتب، ولن يجد الباحث عقدا يجمع هذه الأشتات المتفرقة من آراثهم الفقهية.
وخلف هؤلاء الأئمة المجتهدون بعدهم من العلماء والفقهاء من بلغ شأوا بعيدا في العلم والفهم والهمة العالية.
فمن هؤلاء العلماء الأعلام الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي المتوفى (321ه) الذي شمر عن ساعد الجد لجمع أقوال الفقهاء المجتهدين في سفر عظيم، مؤيدا آراءهم الفقهية بأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين والقواعد الشرعية العامة. ولتوفر هذه الصفات في هذا السفر أصبح يعد بحق سجلا حافلا لأقوال الفقهاء المجتهدين التي حفظت لنا عبر القرون، وبخاصة أقوال الأئمة الذين تناثرت آراؤهم العلمية في بطون الكتب، وكان هذا السفر لا يدانيه مصنف في عصره، فوصف لضخامته وسعته آنه يقع في مائة ونيف وثلاثين جزءا ولكن الباحثين - مع الأسف - لم يجدوا لهذا الكتاب الجليل أثرا في مكتبات العالم حتى عد في الاثار المفقودة من تراثنا الفقهي العظيم.
ولكن فضل الله تعالى كان عظيما؛، إذ قيض الله عز وجل لهذا السفر المبارك إماما آخر، وهو الإمام الجليل أبو بكر أحمد بن علي الجصاص الرازي (1) الاتصاف في بيان أسباب الاختلاف، ص 16.
Page 9