والدرس والطلب، حتى مكن الله منزلته من القلوب، وأحبه الخاص والعام، وكان دَيِّنًا صالحًا، حسن الخلق والصحبة، متواضعًا، حلوَ العبارة، كثير التحري في أمر الدِّين والدُّنيا، منقطعًا إلى الله تعالى، وكان كثيرًا ما يورد كلام الحافظ أبي الحسن عَلي بن أحمد الزيدي وهو قوله: اجعلوا النوافل كالفرائض، والمعاصي كالكفر، والشهوات كالسُّمّ، ومخالطةَ الناس كالنَّارِ، والغذاءَ كالدواء.
وكان في أحواله مستقيمًا على أسلوب واحد منذ عرف، فكان يأتي من بيته إلى المدرسة العمرية بالصالحية في الصباح، فيجلس فيها، وأوقاته منقسمة أقسامًا: صلاةٌ، أو قراءةُ قرآن، أو كتابةٌ أو إقراءٌ، وانتفع به خلق كثير، وأخذ عنه الحَدِيثَ جَمْعٌ مِن أعْيَانِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ: الإِمَامُ المُحَقِّقُ مُحَمَّدُ بن مُحَمَّدِ بن سُلَيْمَان الْمَغْربي، وَالْوَزِيرُ الْكَبِيرُ مُصْطَفَى بَاشَا بن مُحَمَّدِ بَاشَا الْكُوبري، وابن عَمِّهِ حُسَيْنُ الْفَاضِل، وَأَشْيَاخنا الثَّلاثَةُ أَبُو الْمَوَاهِبِ الْحَنبَلِي، وَعَبْدُ الْقَادِرِ بن عَبْدِ الْهَادِي، وَعَبْدُ الْحَيِّ الْعكرِيُّ الْحَنبَلِيُّ وَغَيْرُهُم، وَحَضَرْتُهُ أَنَا، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِنَا عَلَى تَفْضِيلِهِ وَتَقْدِيمِهِ، وَلَهُ لَطَائِفُ وَمَحَاسِنُ مَعَ الْعُلَمَاءِ، وَوَلِيَ خَطَابَةَ الْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ الْمَعْرُوف بِجَامِعِ الْحَنَابِلَةِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقْصُدُونَ الْجَامِعَ الْمَذْكُورَ لِلْصَّلاةِ خَلْفَهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَانَ بقيّةَ السَّلَفِ، وَبَرَكَةَ الْخَلَفِ" (١).
_________
(١) "خلاصة الأثر" للمحبي (٣/ ٤٠١).
1 / 13