Mujaz
الموجز لأبي عمار عبد الكافي تخريج عميرة
لا يكون إلا بمشافهة الكلام، فيكون السامع سامعا بمخاطبة من يخاطبه، ولا يكون ذلك إلا والمخاطب بحضرة الذي يخاطبه. وقيام الحجة معناه: أن يكون رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في دعوته وتبليغ رسالته مشافها بالكلام لمن بحضرته ممن تمكنه مشافهته، ومرسلا، وكاتبا إلى من لا تمكنه مشافهته بالكلام، مضيقا على من لا تمكنه مراسلته ولا تبلغه مكاتبته إذا هو لم يكن على شيء من دين الله، موسعا على من هو على دين الله ودين أنبيائه، فلهذا كان السماع ضربا من التبليغ، وليس معناهما واحدا، فإن قال: فمن أين علمتم بأن حجة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قائمة على الناس جميعا، سمعوا أو لم يسمعوا؟ قيل له من قبل قول الله عز وجل: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) (¬1) ، ثم قال عز وجل لرسوله: (فتول عنهم فما أنت عنهم بملوم) (¬2) ، فدل على أنه قد فعل من ذلك ما أمر به _صلى الله عليه وسلم_، ولو لم يكن رسول الله عليه السلام مبلغا لرسالة الله التي أرسله بها إلى خلقه لكان يجب أن يكون مفرطا، ملوما، وحاش له من ذلك _صلى الله عليه وسلم_.
فإن سأل سائل: قد ذكرت أقاويل المختلفين في الحجة فيما لا يسع الناس جهله، وثبتت أن الحجة لله على خلقه قد قامت عليهم بالرسل التي أرسلها إليهم، ودلت أن حجة الرسل واجبة على الناس جميعا (¬3) ،
¬__________
(¬1) سورة المائدة آية رقم 67، وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث قال: رسالاته بدلا من (رسالته).
(¬2) سورة الذاريات آية رقم 54.
(¬3) قال تعالى: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) سورة الأنعام آية رقم 83.
والحجة ما جرى بينه وبين قومه من الاستدلال على حدوث الكواكب والقمر والشمس، وعيبهم إذ سووا بين الصغير والكبير، وعبدوا من لا ينطق، وإلزامه إياهم الحجة (آتيناها إبراهيم) أرشداه إليها بالإلهام. وقال مجاهد: الحجة قول إبراهيم: (فأي الفريقين أحق بالأمن). راجع زاد المسير 3: 78، وتفسير ابن جرير 11: 504.
Page 176