Mujaz
الموجز لأبي عمار عبد الكافي تخريج عميرة
Genres
وما سقط من فرض الحج والجهاد على المقعد، وعلى الأخرس من الإقرار بالتوحيد فيما ألزمه غيرهم من الأصحاء السالمين، لاستحالة وجود ذلك مع ما هم عليه من الزمانات ما يوجب لمن كان في مثل أحوالهم من المضطرين المجبرين على ما كان منهم من العذر وإزالة الفرض، وفي إيجاب الأمر والنهي والحمد والذم والثواب والعقاب للعاملين دليل على أنهم ليسوا ما قالت المجبرة في أنهم كأهل الزمانات والضرورات من المنع عما لم يفعلوا، والاستكراه على ما فعلوا، وهذا غلط عظيم من الجهمية وأصناف المجبرة، بمثل هذه الأباطيل عاب الملحدون على ضعفة الأمة، وحاولوا بذلك إبطال ما أثبتوا من وحدانية الله وأمره ونهيه، وثوابه وعقابه، تعالى الله عما يقول المبطلون، فإن سأل سائلهم فقال: أخبرونا هل يكون من العباد إلا ما شاء الله أنه يكون منهم، وعلم أنه سيكون، وليس أحد من العباد مجاوزا مشيئة الله، ولا علمه إلى غير ذلك؟ قالوا: فإن قلتم: بأنه لا يكون من العباد إلا ما شاء الله أنه يكون وعلم، قيل لكم: فهل أبقيتم للعباد من معنى الكسب والاختيار بعد قولكم بهذا شيئا؟ فنقول: الذي سألتمونا عنه من هذا أنه ليس في قولنا الله شاء لجميع ما يكون من الخلق عمل العباد وغيره، وأنه عالم بجميع ذلك، وليس شيء بخارج عن علمه، ولا مجاوز لإرادته ومشيئته مما يوجب أن يكون الله مكرها للعاملين على أعمالهم، ولا جابرا لهم على ما يكون منهم من اختيارهم، كما أنا وإياكم جميعا نقول: إن الله عالم بجميع ما يحدثه في خلقه ، ومريد لما يقدره عليهم، ولا يكون من ذلك إلا ما علم وأراد، وليس في ذلك أيضا ما يوجب أن يكون الله جل جلاله مجبورا على أفعاله في خلقه، ولا مضطرا عليها إذا كان لا يجاوز شيء من ذلك علمه ولا إرادته، وليس العلم والإرادة بالذين يجبران أحدا على فعل ما فعل، ولا بمانعين له عن فعل ما لم يفعل، فإن قالوا: أليس الشقي شقيا في بطن أمه، والسعيد سعيدا في بطن أمه؟ قيل لهم: بلى، إن الله عالم بما يكون من الخلق فعل العباد وغيره قبل أن يكون، ولم يزل بذلك عالما، ولم يستحدث علما لم يكن يعلمه، ولم يزل يعلم الشقي من السعيد، والسعيد من الشقي، وهو العالم بما يكون من ذلك منهم قبل أن يصيروا في بطون أمهاتهم، وعالم به وهم له فاعلون، وقد أخبرناكم قبل هذا أن علمه جل جلاله بالأشياء ليس بجابر أحدا على فعل شيء من شقوة أو سعادة، ولا مكره له على ذلك، والشقي شقي في بطن أمه بما علم الله أنه يشقى به من فعله، وسوء اختياره لنفسه، وجرأته على ربه، وكذلك السعيد سعيد في بطن أمه بما علم الله أنه سيسعد به من فعله، ولإتباعه لأمر ربه، وحسن نظره لنفسه. فإن قالوا: ما معنى قول رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: لن يدخل الجنة أحد بعمله، قيل: ولا أنت يا رسول الله، قال: "ولا أنا إلا يتغمدني الله برحمته" (¬1)
¬__________
(¬1) الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الرقاق، 18 باب القصد والمداومة على العمل 6463، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وذكره، وفي رواية أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب: "ما منكم من أحد ينجيه عمله"، وأخرجه أبو نعيم من طريقه، وفي كفارة المرض من طريق أبي عبيد عن أبي هريرة بلفظ: "لم يدخل أحد علمه الجنة". وأخرجه الإمام مسلم في كتاب المنافقين من طريق ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: "ليس أحد منكم ينجيه عمله"، ومن ريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال: "لن ينجو أحد منكم بعمله"، وله من حديث جابر: "لا يدخل أحد منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار"، وأورده الربيع في مسنده عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس 2: 73.
قال ابن بطال في الجمع بين هذا الحديث وقوله تعالى: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) ما محصله: أن تحمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال، وأن يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها.
Page 88