أما ملابس الحثيين على ما يشاهد من آثارهم، فهي الحذاء المتعكف الطرف ونوع من القفاز (الكفوف) يدفئ الراحة، ولا يشمل الأصابع ليطلق لها العمل، ولهم نوعان من القبعة أحدهما كالعرقية، والثاني كالتاج مستطيلا من أعلى مخروطي الشكل مزدانا بعصائب، وملابس نسائهم طويلة تشمل الرجلين ويحتزمن بنطاق من حبل مشدود إلى الوراء، وملابس الرجال قميص تتصل إلى الركبة مشدودة على الوسط بمحزم يعلق به خنجر، وسلاحهم الرمح والقوس يشد على الظهر، والفأس ذو الحدين.
مستعمراتهم:
إن آثار الحثيين دلتنا على أن مستعمراتهم لم تنبسط جنوبا وغربا حتى دمشق ولبنان فقط، بل امتدت شمالا في آسيا الصغرى حتى مدخل البحر الأسود، وقد استفحل أمرهم بهذه البلاد على هيئة معاهدة ضمت جميع ولاياتهم، وتثبت ذلك آثار كثيرة، منها تمثال نمفيو على الطريق المؤدية من أزمير إلى سرت، وأطلال بوغاز كوى في الكبادوك وأطلال ياذيلي كايا هناك إلى غيرها.
قد ألف الأب قيصر دي كارا تأليفا في الحثيين ومهاجرهم نشره أولا في مجلة التمدن الكاثوليكي، ثم ضم إلى الكتاب وأحد وأطال وأجاد في تاريخ هؤلاء وارتحالاتهم، وفي جملة ما عني بإثباته أن سكان قبرس الأولين هم الحثيون، وإن كان اليونان توطنوها فقد سبقهم إليها الحثيون، وكذلك أن سكان جزائر بحر الروم ورودس وكريت وساموس وغيرها هم حثيون، بل إن سكان بلاد اليونان وبعض إيطاليا هم حثيون، وأن البلاسج الأولين هم من هذه القبيلة، وأن البلاسج المتأخرين عنهم هم يافتيون، وأن ارتحالات الحثيين هذه إلى هذه البلاد كانت في نحو القرن العشرين أو الواحد وعشرين قبل الميلاد، قرب الوقت الذي شخص به إبراهيم إلى فلسطين، والوقت الذي أغار به الملوك الرعاة على مصر واستحوذوا عليها، ومن رأيه أن هؤلاء الملوك أو أكثر جيشهم كانوا حثيين، وأن قدموس الذي ارتحل بذويه إلى بلاد اليونان، ووضع لهم حروف هجائهم لم يكن ارتحاله في نحو القرن الخامس عشر، كما هو الرأي العام بل قبل ذلك بنحو خمسة قرون، وقد أسند الأب دي كارا رأيه هذا إلى استدلالات كثيرة: منها المشابهة التامة بين مصنوعات الحثيين، ومصنوعات البلاسج الأولين النقدية، وبين تحصين المدن والقلاع عند القبيلتين، ووحدة المعبودات عندهما إلى غير ذلك من الأدلة، وألقى خطبة في شهر أيلول سنة 1891 بلندرة بحضرة جم غفير من المستشرقين أورد فيه حججه على أن البلاسج الأولين هم الحثيون، بل أفرد الأب دي كارا كتابا برمته ليثبت أن الملوك الرعاة الذين أغاروا على مصرهم حثيون أصلا، ومهاجرهم سورية الشمالية، وقد انضم إليهم بحملتهم على مصر غيرهم من القبائل السورية، وكانت حملتهم هذه بين القرنين العشرين والواحد والعشرين، وكانت منهم ثلاث دول من مصر هي الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة من دول مصر، وفي أيامهم كان يوسف وزيرا بمصر .
الفصل الثالث
في الفونيقيين
(1) في اسم فونيقي وتخومها وأصل سكانها
اسمها كثرت الأقوال فيه، وأقربها إلى الصواب قولان: الأول أنه أخذ عن كلمة فون أو بون التي تعبر بها الآثار المصرية عن بلاد العرب الشرقية وشاطئ خليج العجم، من حيث أتى الكنعانيون إلى سورية، واستعمله العرب منسوبا نسبة أعجمية فكان فونيقي أو بونيقي، والثاني أن اسم فونيقي يوناني تأويله النخل سميت به لكثرة هذا الشجر فيها قديما، ويؤيده رسم صورة النخل على بعض مسكوكاتها القديمة.
وأما تخومها فلم تكن واحدة في كل عصر، فقد كانت قبل فتح يشوع بن نون لأرض الموعد تمتد من أنطاكية إلى غزة، وكانوا يقسمونها إلى فونيقي البحرية، وتشتمل على المدن الساحلية، وإلى فونيقي لبنان، وتشمل على لبنان وبعلبك ودمشق حتى تدمر، على أنه بعد أن طرد يشوع بن نون الكنعانيين من جبال فلسطين، وتوطن السواد الأعظم منهم في المدن البحرية أصبح اسم فونيقي لا يشمل إلا الأصقاع الساحلية من جبل الكرمل جنوبا إلى أرواد شمالا مع ما يجاور ذلك من جبل لبنان.
أما أصل سكانها فقد مر أن الكنعانيين بعد أن هاجروا إلى سورية توطن بعض فصائلهم فلسطين، وكانت تخومهم إلى صيدا شمالا، وسكن بعضها عرقا وما يليها شمالا، وكان سكان البلاد التي من صيدا إلى عرقا آراميين حلوا هذه البلاد قبل الكنعانيين ... ولا بد أن الشعبين اختلط أحدهما بالآخر مع كرور الزمان، وعليه كان سكان فونيقي القدماء آراميين وكنعانيين، وكانت عاصمة الفونيقيين أولا صيدا ثم خلفتها صور. (2) الفونيقيون في أيام سؤدد صيدا
Page inconnue