Dialogues de Platon : Euthyphron – Apologie – Criton – Phédon
محاورات أفلاطون: أوطيفرون – الدفاع – أقريطون – فيدون
Genres
فينبغي للمرء أن يثابر حتى ينتهي إلى أحد أمرين، إما أن يستكشف حقيقتها أو يعلمها، فإن استحال ذلك فإني أحب له أن يأخذ بأقوم الآراء البشرية وأبعدها عن التفنيد، وليكن ذلك طوفه الذي يسبح به في الحياة. وإني مسلم بأنه لن يفعل ذلك دون أن يتعرض للخطر، إذا هو لم يستطع أن يجد من الله كلمة تسير به على هدى وطمأنينة.والآن فسأجسر، كما تريدني، على أن أسألك؛ لأني لا أحب أن آخذ على نفسي فيما بعد أنني لم أدل برأيي في حينه الملائم، فإني إذا ما قلبت النظر في الموضوع يا سقراط، سواء أكنت وحدي أم كنت مع سيبيس، بدا لي أن التدليل لم يكن حاسما.أجاب سقراط: إنني لأعترف يا صديقي أنك قد تكون مصيبا، ولكني أحب أن أعلم في أي ناحية لم يكن التدليل حاسما.فأجاب سمياس: في هذه الناحية، ألا يجوز أن يستخدم أحد هذا الدليل بذاته في القيثارة والانسجام؟ ألا يحق له القول إن الانسجام شيء خفي، غير جثماني، لطيف إلهي، موجود في القيثارة المنسجمة؟ ولكن القيثارة والأوتار مادة، وهي مادية متآلفة من أجزاء أرضية، وتربطها القربى بالفناء؟
23
وأنه إذا تحطمت القيثارة أو تقطعت أوتارها وتمزقت، فإن من يأخذ بهذا الرأي يدلل كما تدلل أنت، وبالتشابه نفسه، على أن الانسجام يبقى حيا ولا يفنى؛ لأنك لا تستطيع أن تتصور، كما يجوز القول، أن تبقى القيثارة بغير أوتارها، بل وتبقى الأوتار الممزقة نفسها، على حين أن الانسجام الذي يمت بأسباب القربى إلى الطبيعة السماوية الخالدة يفنى، بل ويفنى قبل الذي هو فان. سنقول إن الانسجام لا شك موجود في مكان ما، وإن الفناء سيصيب الخشب والأوتار قبل أن يصيب ذلك الانسجام، وإني لأشك يا سقراط أنك ستأخذ أنت أيضا في الروح بهذا الرأي الذي نميل جميعا إلى الأخذ به، وستذهب كذلك إلى أن الجسد إنما أقيم وارتبطت أجزاؤه بفعل عناصر الحر والبرد والرطوبة والجفاف وما إليها، وأن الروح هي ما بين هاتيك العناصر من انسجام، أو هي مزاجها المتزن المتناسب، فإن صح هذا نتج بداهة أن أوتار الجسد إذا ارتخت أو أجهدت بغير مبرر بسبب الفوضى أو أي فساد آخر فنيت لذلك الروح جملة واحدة،
24
برغم ما بها من ألوهية غالبة، مثل سائر الانسجامات التي تكون في الموسيقى أو آيات الفن. ولو أن بقايا الجسد المادية ربما لبثت طويلا حتى يدركها الفناء أو الاحتراق. والآن، إن زعم زاعم بأن الروح تفنى أولا فيما يسمى بالموت، باعتبار أنها ما بين عناصر الجسد من انسجام، فبم نجيبه؟فأجال فينا سقراط النظر، كما هي عادته، وقال باسما: إن دليل العقل ناهض في جانب سمياس، وإن في مهاجمته إياي لقوة، فلماذا لا يتصدى منكم لإجابته من هو أقدر مني؟ ولكن قد يحسن بنا قبل أن نجيبه أن نصغي كذلك لما يريد سيبيس أن يناهض به الدليل، وسيكون لنا من ذلك للروية متسع، فإذا ما فرغ كلاهما من الحديث وبدا قولهما مستقيما مع الحقيقة سلمنا لهما، وإلا، فلنا أن نؤيد الجانب الآخر، وأن نناقشهما. قال: تفضل إذن فحدثني يا سيبيس، أي مشكلة صادفتك فأتعبتك؟قال سيبيس: سأحدثك، إني لأشعر بأن التدليل لم يتزحزح عن موضعه؛ فأنا مستعد أن أسلم بأن قد قام الدليل القاطع الوافي جدا، إن جاز لي هذا القول، على وجود الروح قبل حلولها في الصورة الجسدية. ولكني أرى أن بقاء الروح بعد الموت لا يزال يعوزه الدليل، ولست أعترض في ذلك بما اعترض به سمياس؛ لأنني لا أريد أن أنكر أن الروح أقوى من الجسد وأطول بقاء، فعقيدتي أن الروح تسمو على الجسد في كل هذه النواحي سموا بعيدا. وقد يخاطبني الدليل فيقول: حسنا إذن، فلماذا تقيم على ارتيابك؟ إذا رأيت أن الأضعف يظل باقيا بعد موت الإنسان، أفلا تسلم بأنه يتحتم أيضا أن يبقى ما هو أطول بقاء خلال هذه الفترة نفسها؟ ويجمل بي الآن أن أستخدم المجاز كما فعل سمياس، وسأطلب إليك أن تنظر في استعارتي لترى هل جاءت ملاءمة لموضوعها. أما المثل الذي سأسوقه فهو مثل نساج قديم، يموت فيزعم بعض الناس بعد موته أنه لم يمت وأنه لا بد أن يكون حيا، ويستشهد على ذلك بالعطاف
25
الذي نسجه بنفسه وارتداه، والذي لا يزال جيدا متينا، ثم يمضي فيسأل المرتاب من القوم: هل الإنسان أطول بقاء أم العطاف الذي يستخدم ويرتدى؟ فإذا ما أجيب بأن الإنسان أطول جدا في البقاء، ظن أنه قد أثبت بذلك يقينا بقاء الإنسان الذي هو أطول بقاء ما دام الأقصر بقاء لا يزال باقيا. ولكني أرجو أن تلاحظ يا سمياس أن ليست تلك هي الحقيقة، وليس بخاف على الناس أن من يتحدث بهذا إنما ينطق هراء، فحقيقة الأمر أن هذا النساج قد ارتدى ونسج كثيرا من هذا العطف، ولئن كان قد أفنى كثيرا منها وعمر بعدها، إلا أن آخرها قد ظل بعد فنائه باقيا، ولكن لا ريب في أن هذا أبعد جدا من أن يقوم دليلا على أن الإنسان أقل من العطاف شأنا وأشد ضعفا. غير أنك تستطيع أن تعبر عن علاقة الجسد بالروح باستعارة كهذه، فلك أن تقول بحق إن الروح باقية، وإن الجسد بالقياس إليها ضعيف قصير الأجل، فقد يقال عن كل روح إنها تبلي أجسادا كثيرة وبخاصة إذا امتد بها أجل الحياة؛ لأنه إذا كان الجسد يتحلل ويفنى في حياة الإنسان؛ فالروح لا تني تنسج لنفسها لباسا جديدا وتصلح ما قد أصابه البلى؛ فطبيعي إذن أن تكون الروح مرتدية آخر أثوابها حينما يدركها الفناء، وذاك الثوب وحده هو الذي سيبقى بعد فنائها. ولكن الجسد بدوره، إذا ماتت الروح سيكشف آخر الأمر عن ضعف طبيعته، فلا يلبث أن يدركه الفناء، ولهذا لن أركن إلى هذا الدليل برهانا على بقاء الروح بعد الموت؛ لأنه إذا سلمنا فرضا حتى بأبعد مما تؤكد أنت أنه في حدود الممكن، فارتضينا - فضلا على اعترافنا بوجود الروح قبل الميلاد - أن أرواح طائفة من الناس لا تزال موجودة بعد الموت، وأنها ستظل موجودة، وأنها ستولد وتموت كرة بعد أخرى، وأن في الروح قوة طبيعية ستقاوم بها حتى تولد مرات عدة؛ فقد نميل مع هذا كله إلى الظن بأنها ستعاني من آلام الولادات المتعاقبة رهقا قد ينتهي بها آخر الأمر السقوط في إحدى مرات موتها، فتفنى فناء تاما، وربما خفيت عنا جميعا هذه المرة التي يموت فيها الجسد ويتحلل، والتي قد تؤدي بالروح إلى الفناء، ولا يمكن أن تتوفر لأي واحد منا خبرة عن ذلك،
26
فإن صح هذا، زعمت أن من يثق في الموت فإنما يثق وثوقا غاشما، ما لم يكن قادرا على التدليل بأن الروح لا تخضع للموت أو الفناء إطلاقا. أما إن كان عاجزا عن إثبات ذلك، فمعقول ممن يقترب من الموت أن يخشى فناء الروح فناء تاما عند انحلال الجسد.فلما سمعنا منهم هذا القول، أحسسنا جميعا بالكآبة، كما لاحظ بعضنا إلى بعض فيما بعد. وأحسب أنه قد داخلنا الاضطراب والشك، لا فيما سلف من دليل فحسب، بل في كل ما قد يجيء به الدهر من دليل؛ لأننا - وقد كنا من قبل نؤمن إيمانا راسخا - قد رأينا ذاك الإيمان تتزعزع دعائمه. فإما أننا لم نكن قضاة صالحين، وإما أن العقيدة لم تقم على أساس صحيح.
أشكراتس :
Page inconnue