Muhammad Ali Jinnah
القائد الأعظم محمد علي جناح
Genres
إلا أن المسألة التي تضاءلت إلى جانبها كل مسألة من مسائل العالم الإسلامي في حساب مسلمي الهند؛ هي مسألة الخلافة الإسلامية، وكانت يومئذ في آل عثمان بالقسطنطينية.
فقد كان أمراء الهند أنفسهم يستقبلون تلك الخلافة في الشدائد، وينظرون إليها نظرتهم إلى الثمالة الباقية من عز الإسلام ودولته الدنيوية.
ومنذ عهد الاحتلال البريطاني توجهت الأنظار إلى سلطان آل عثمان، وكان في طليعة المتوجهين إليه سلطان ميسور على مقربة من سلطنة حيدر أباد، فإنه كتب إلى «الخليفة» يبلغه حقيقة الخطر على الديار الآسيوية، وينذره أن الخطر بالغ من غربها لا محالة إلى حوزة القسطنطينية، ولم يكن في وسع الخليفة أن ينجده بالعون الذي أراده، فكتب إلى نابليون يطلب هذا العون، وجاءه الجواب منه بانتظار المدد في جيش جرار يضرب الدولة البريطانية في مقتلها، ويخلي الطريق إلى الهند من شباكها.
ولم يزل أمراء الهند - فضلا عن سواد أهلها - يتطلعون إلى الخلافة في القسطنطينية حتى زالت وانتهت بخاتم الخلفاء السلطان عبد المجيد، فسعى سلطان حيدر أباد إلى التزوج من إحدى بناته، وقيل فيما قيل عن أسباب هذا الزواج: إنه «زواج سياسي» يمهد به السلطان إلى إمامة المسلمين في الهند على الأقل، إن لم تنعقد له الإمامة على العالم الإسلامي بأجمعه.
ولم يتفق لمسلمي الهند ما يضعف مكانة الخلافة بينهم كما اتفق للمسلمين الذين حكمتهم الدولة العثمانية فتمردوا على حكمها، وتغلبت في نفوسهم دفعة الوطنية على الولاء لحكومة ساءت سياستها وخرجت في رأي الأكثرين من أحكام دينها، بل كان مسلمو الهند يزدادون عطفا على دولة الخلافة كلما اشتدت بها المحن من داخلها وخارجها، وينسبون الثورات عليها أحيانا إلى دسائس الاستعمار وغواية الدول الأجنبية بالرشاوى والوعود الكاذبة.
ودام الحال على هذا إلى أن كانت الحرب العالمية الأولى ووقع ما وقع من الاصطدام بين تركيا وبريطانيا العظمى في مصر والعراق مباشرة، وفي الأقطار الأخرى من طريق الدعوة أو تحريض الإمارات الوطنية بجزيرة العرب، طموحا إلى إقامة دولة عربية واحدة تضم إليها الأمم العربية التي كانت خاضعة لسلطان بني عثمان.
وعمد ساسة الإنجليز إلى تهوين الأمر على مسلمي الهند تارة بقولهم: إن الحملة على تركيا إنما هي حملة على جماعة تركيا الفتاة الذين اغتصبوا سلطان الخليفة، وجعلوا الخلافة ألعوبة في أيديهم وتبرأوا من العصبة الإسلامية تمييزا عليها للعصبة الطورانية، فدفعوا العرب بذلك دفعا إلى إحياء العصبة العربية بزعامة أمير من سلالة بيت الرسول، وتارة يهونون الأمر على مسلمي الهند بتوكيد العهود لهم ؛ أن بريطانيا العظمى لن تمس دولة الخلافة، ولن تسمح بتقسيمها في معاهدات الصلح بين الطامعين فيها.
فلما انعقدت معاهدات الصلح خابت آمال مسلمي الهند في وعود الدولة البريطانية، وأيقنوا أنهم خدعوا وسيقوا إلى معونتها في هدم دولة الخلافة وتمزيق أشلائها، وأعلن زعماء المسلمين - تلاميذ أحمد خان - أن مسالمة الحكومة البريطانية في الهند سياسة قد انقضى أوانها ووجب نقضها؛ لأن هذه الحكومة قد أخلفت وعودها للمسلمين وللبرهميين في الشئون الدينية والسياسية، وانتهز غاندي الفرصة السانحة فجعل مسألة الخلافة من المسائل الأولى في برنامج المؤتمر، وراح مع الأخوين محمد علي وشوكت علي يجوبون أنحاء الهند شاهرين الحرب على الحكومة، معلنين الاتحاد بين جميع الهنود على حربها ورفض التعاون معها.
ويدل على مدى القلق الذي دهم نفوس المسلمين في الهند من جراء السياسة البريطانية مع الدولة العثمانية؛ أن ألوفا من مسلمي الحدود هجروا بلادهم وقصدوا إلى بلاد الأفغان ليعيشوا في ظل حكومتها الإسلامية، وأن مولانا محمد علي قصد إلى تركيا، وفلسطين، ومصر ليجمع كلمة الترك والعرب على استبقاء الخلافة والاتفاق على تأسيس «دولة اتحادية» تضم إليها طلاب الاستقلال في غير سيادة لقوم من الأقوام على قوم آخرين.
وبينما الهند تغلي مراجلها بالثورة والمقاومة السلبية تارة والمقاومة الإيجابية تارة أخرى؛ إذا بمصطفى كمال يلغي الخلافة وينفي خاتم الخلفاء العثمانيين من القسطنطينية.
Page inconnue