Muhalhil, le seigneur de Rabia
المهلهل سيد ربيعة
Genres
وقاتل جساس في جماعته قتال المستميت، وكان الفضاء الرحب أرفق بهم، وأطلق لحركاتهم، فكانوا يفرون ثم يكرون، ويحاورون عدوهم ثم يعودون إليه، حتى خيل إلى بني تغلب أنهم يلاقون جيشا خميسا وعددا عديدا. وزادت هيبة الفئة القليلة في قلوبهم فترددوا في لقائها، وتحاموا بطشها وقتالها، وعلا ضجيج القتال وتجاوب الفضاء بأصوات الحديد، فسمعها المهلهل وهو في مكانه يستريح مما ناله من جهد القتال الأول، فأسرع مبادرا فاعتلى الكثيب وأشرف على الفضاء، فرأى كتيبة جساس تطحن قومه في قتالها العنيف، فانحدر نحوها يصيح صيحته. فما سمعت تغلب الضجة حتى اشتدت عزائمها فحملت حملة شديدة. ورأى جساس أنه لن يستطيع الثبات أمام ذلك التيار الآتي، فانهزم بجماعته متياسرا نحو جانب وادي «واردات» وتبعهم مهلهل يصيح: «وا كليباه!»
وسمع جساس الصيحة فعرف أن ذلك الفارس هو مهلهل المخيف، وغلى الدم في رأسه عندما تذكر من قتل من إخوته ومن قومه، وكان العطش قد أجهده وطول القتال قد أجهضه، ولكن الغيظ غلب عليه، فأشار إلى فارسين قريبين منه أن ينحازا بجماعتهما إلى جانب الوادي، وعاد هو نحو عدوه محنقا يطلب القتال الذي لا هوادة فيه.
ووقف جساس وجها لوجه أمام عدوه الفاتك وناداه أن يقبل عليه للنزال، فأقبل مهلهل نحوه كأنه يقذف بنفسه قذفا، ووقف فرسان تغلب على مسافة بينهما ليروا ما تنتهي إليه مبارزة القرينين.
قال جساس صائحا صيحة وحشية «إلي يا مهلهل! أنا قاتل كليب! أنا جساس بن مرة إن أردت ثأرك.»
وما سمع المهلهل اسم جساس حتى اندفع نحوه محنقا وغص بريقه من شدة الغضب، فلم يجب إلا بضربة كادت تشق البيضة عن رأس جساس وتنفذ إلى دماغه.
فترنح جساس لشدة الضربة، ولكن البيضة دفعتها عنه، ثم تمالك نفسه بعد قليل وأهوى بسيفه نحو رأس خصمه فضربه ضربة أودع فيها ما في قلبه من حقد وغضب، فتحول المهلهل عنها سريعا، فوقعت الضربة على عنق الفرس فقدته، ووقع الفرس كأنه جلمود صخر.
ووثب المهلهل إلى الأرض حتى لا يقع تحت الفرس القتيل، ورمى سيفه عند ذلك وقبض على رمحه الطويل وهزه في يده حتى ارتاح إلى قبضته، ثم سدده إلى قلب جساس وأسرع فقذفه به.
وأدهشت هذه الحركة جساسا فلم يستطع أن يأخذ رمحه في يده، ولم يقدر على أن يبلغ المهلهل بسيفه وهو بعيد عنه، فلما رآه يقذف نحوه الرمح البارق تحول عن فرسه إلى الأرض كالنمر الأرقط، فلم تصب الضربة إلا جانب درعه، ولكنها كانت ضربة غاضب محنق فزلزلته، وكادت تلقيه صريعا.
في تلك اللحظة سمعت صيحة عالية من وراء المهلهل، فالتفت فرسان تغلب إلى جهتها، فإذا كمين ابن السدوس يهوى نحوهم من جانب الوادي يريد أخذهم من وراء. وكان المهلهل على وشك أن يتبع ضربته بأخرى، فلما رأى الكمين مقبلا نحوه أسرع إلى فرس قتل صاحبه، فوثب عليه واتجه مسرعا نحو العدو المقبل، وهو يقول في غيظ: «لهف نفسي على فوت جساس!»
وما هو إلا قليل حتى اصطدمت الكتيبة المقبلة بمهلهل ومن معه، وقد أقبلت بعد راحة من القتال، فكانت على قلة عددها ثقيلة الوطأة شديدة الضربة.
Page inconnue