Muhalhil, le seigneur de Rabia
المهلهل سيد ربيعة
Genres
فضحك المهلهل ضحكة عالية، وقال وهو يملأ كأسين: أما إنها لفكاهة من جارية لكاع، إن جساسا لا يقوى على أن ينظر إلى ظهر كليب بن ربيعة. خذ هذه الكأس.
فتناول همام الكأس وشرب منها قليلا، ونظر إلى صديقه وهو يرفع الكأس ويتجرعها، وشعر كأن حملا ثقيلا ينزاح عن عاتقه، وقال له مداعبا: أترى لو صدقت الجارية، أكنت ثائرا لأخيك؟
فتجهم وجه المهلهل وقال متلعثما: وحق مناة ليس له من كفء إلا أنت.
فقال همام: أتحب أن تراني قتيلا يا عدي؟
فتقبضت عضلات وجه المهلهل وبرقت عيناه، وهز رأسه في عنف وقال: والله ما أدري أيكما أحب إلي يا همام. دع هذا الحديث فلست أحبه.
فتنفس همام في حزن، ونظر إلى صاحبه وقد مال رأسه واختلت حركته، حتى صار لا يستوي من السكر، وكان الليل قد أقبل فنظر همام حوله وقال: أحس التعب يا عدي والليلة مظلمة.
فقام المهلهل وهو يترنح، وأسنده صاحبه من ذراعه حتى ركب فرسه عائدا إلى منزله، ومضى همام معه حتى بلغ ثنية الوادي التي تفترق عندها الطريق إلى منزليهما، فودعه وأسرع إلى مضارب قومه، فرآها خالية وقد ارتحلوا عنها؛ فهمز جواده وانطلق في أثر قومه وهو يلتفت بين حين وحين إلى ورائه في الظلام، لعله يرى ضوء نار يملأ به عينيه من الديار العزيزة التي شهدت لذاته ووثبات لهوه مع صديقه الخليل عدي بن ربيعة.
ولما بلغ المهلهل منازله طالعته ضجة من قبلها؛ فدار به رأسه المخمور وخيل إليه أن الضباب يغطي ناظريه، ثم رأى أمامه النساء يندبن ويبكين ويشققن ملابسهن ويلطمن خدودهن، فعجب وحار كأنه في حلم مزعج، ونزل عن فرسه يسألهن عما أصابهن في لسان معوج، فكان لا يسمع إلا صياحا أو سبابا، ثم رأى الرجال يضطربون في الظلام ويتنادون في فزع، وقد أقبل بعضهم على سلاحه يكسره، وبعضهم على خيله يعقرها، فكان ذلك كله عجبا من أمرهم لم يفهم منه شيئا إلا أن يكون الخبل قد أصابهم. ومرت في خياله الفاتر صورة كليب، وتذكر قول همام إذ قال له حديث الجارية، وساءل نفسه: أيكون جساس قد قتل كليبا؟ أليس هذا الذي يراه بعض أحلام الخمر ووساوسها؟
واقترب من الناس يريد أن يسألهم، فجعلوا ينظرون إليه في ازدراء ثم يصرفون عنه وجوههم، وسمع قائلا منهم يقول: لم يبق لنا إلا هذا السكير الماجن، الذي لا يكاد يفيق.
ومضى في سيره حتى بلغ ساحة بيته، فصاح بمن هناك وقد عاد إليه بعض وعيه: ما بالكم تكسرون السلاح؟
Page inconnue