فإن ترك استعمال علم النجوم لأنه لا يأمن أن يرى فيه مكروها فيعقب نظره فيه وعلمه به الاغتمام فينبغي أن لا يستعمل شيئا من هذه السعادات لأنه يعقبه الغم والأسف والحزن والندامة بسبب انقطاعها وعجزه عنها وينبغي أن يعمل نفسه في أكل أردأ الأطعمة وشرب أردأ الأشربة وترك الجماع وإن جامع كان جماعه لأقبح النساء وأسمجهن وعند كبر السن يعمل نفسه في الفقر وفي عدم كل شيء كما ذكرنا قبل من السعادات حتى لا يعقبه الاغتمام لعجزه عن الالتذاذ والسرور بها فأما الخير والسرور فإن تقدمة المعرفة بهما نافعة جدا لأنه ربما ورد على الإنسان الشيء السار بغتة فيدهش ويتحير وربما مات من ساعته من شدة الفرح لأن من إفراط السرور أو الغم ربما مات الإنسان بغتة فإذا حدث للإنسان السرور وقد تقدم علمه به لم يدهش ولم يتحير لذلك ولا خيف عليه من شدة الفرح التلف ويتقدم فكره فيما يريد من التدبير فيه
ولنبين ما ذكرنا من الغم والسرور بقياس مفهوم طبيعي في جميع الحيوان نقول إن الحيوان كله في طبعه يفرح ويغتم فإذا لم يفرح الحيوان بما يفرح بمثله ولم يغتم بما يغتم بمثله كان بعيدا من الحيوانية وكان في طبع الأشياء الجامدة كالحجر والخشب وما أشبههما فأما الحيوان كله غير الإنسان فإنما يفرح ويغتم عند مباشرته للأشياء السارة والغامة وإنما تقدمة معرفة السرور والغم للإنسان وحده من بين الحيوان فتقدمة المعرفة بالأشياء النافعة والضارة يحتاج إليها الإنسان في كل الحالات لأنه إن كان ذلك الشيء مكروها فتقدمة العلم به خير له من تأخيره للعلل التي ذكرناها قبل وإن كان خيرا أو سرورا فإنه لا يجهل إنسان فضيلته وإن تقدمة معرفته وتعجيل السرور بالإخبار فيه قبل كونه أفضل من تأخيرها لأن كل الناس إنما يسعون في هذا العالم ليسروا وغرضهم في السرور واحدة من ثلاث خصال إما رجل مغتم فهو يسعى في دفع ذلك الغم عنه واجتلاب السرور وإما إنسان ناقص السرور فهو يسعى في تمام ذلك السرور وإما إنسان مسرور فهو يسعى في دوام سروره ولناتئ على السرور بقياس من جنس الموسيقي أعني الغناء
Page 170