60

Grand Introduction

Genres

فأما الحجة التي تقرب من فهم العامة في الرد على الذين قالوا إنه ينبغي للإنسان أن لا ينظر في علم النجوم لأنه ربما رأى في دلالات النجوم أن مكروها يناله إلى وقت من الأوقات فيتعجل الاغتمام بعلمه في ذلك ثم يعقبه ذلك الاغتمام به والفكرة فيه إلى وقت حلوله به فهي أن أقول لو كان الإنسان يجتنب استعمال كل شيء يتعجل الاغتمام بسببه لكان ينبغي له أن لا يسافر في طلب الفوائد والعز والسلطان لأنه قبل أن يسافر يتعجل الاغتمام بإخراج المال والنفقة بسبب ذلك السفر ثم في سفره يتعجل الغربة عن المنزل والتعب والأذى والمكاره والخوف على البدن والمال والجسم وربما ناله في عاجل سفره بعض ما ذكرنا من المكروه قبل الظفر بشيء من الأشياء التي بسببها سافر وكان ينبغي له أن لا يصحب إنسانا لطلب الخير والفوائد والزيادة في الجاه والقدر لأنه يتعجل بذلك الوجه بطلب الوسائل لصحبته لذلك الإنسان ثم يتعجل الذل والهوان بسبب خدمته له قبل انتفاعه به وكان ينبغي أن لا يأمل شيئا ولا يرجوه لأنه إذا أمل شيئا ورجاه تعجل الاغتمام بالفكرة والسعي فيه إلى وقت ظفره به فكل هذه الأشياء التي ذكرنا وغيرها مما هو من هذا الجنس قد يتعجل الناس بسبب طلبهم إ ياه المكروه والاغتمام وربما تلف أحدهم قبل الظفر بشيء مما طلب فإن سلم أحد منهم ببدنه وظفر بما طلب فقد تعجل الغم والتعب الشديد والنفقة والخوف على المال والبدن وبذل الوجه والذل وكثيرا من المكاره والأذى فإن فاته ذلك مع ما قد تعجل من هذه المكاره التي وصفنا أعقبه الأسف والحسرة والندامة على ما أنفق من ماله وأتعب من بدنه وبذل من جاهه وناله من أنواع المكاره ثم لا حيلة له في رد ما أنفق من المال ولا في دفع ما تعجل من الغموم والمكاره ولا ينفعه الأسف والندامة على ما فات وأما الاغتمام الذي يتعجله الإنسان بتقدمة العلم من دلالات النجوم بالمكاره التي يرى فيها أنه يصيبه في وقت آخر والاغتمام الذي يعقبه بسبب فكرة فيها إلى وقت حلولها به فإنه ينتفع بهما لأنه إذا تقدمت معرفته من دلالات النجوم بالمكروه الذي يناله تفكر في الحيلة في دفعه وفي إصلاح أموره كما ذكرنا فيعقب تقدمة معرفته بها وفكرته فيها دفع ما أمكن من ذلك المكروه

وأيضا فإن هؤلاء القوم لو تقدمت معرفتهم من دلالات الكواكب أن الأشياء التي يطلبونها لا تتم لهم ولا يظفرون بها تركوا طلبها والحركة والسعي فيها فلم يتعجلوا المكروه والاغتمام ولا أعقبتهم الحركة فيها والفكرة والندامة والأسف فمعرفة الإنسان بالمكاره التي تصيبه مما يدل عليه النجوم نافعة جدا

Page 166