فأما الحجة التي تقرب من فهم العامة في الرد على الذين قالوا إنه ينبغي للإنسان أن لا ينظر في علم النجوم لأنه ربما رأى في دلالات النجوم أن مكروها يناله إلى وقت من الأوقات فيتعجل الاغتمام بعلمه في ذلك ثم يعقبه ذلك الاغتمام به والفكرة فيه إلى وقت حلوله به فهي أن أقول لو كان الإنسان يجتنب استعمال كل شيء يتعجل الاغتمام بسببه لكان ينبغي له أن لا يسافر في طلب الفوائد والعز والسلطان لأنه قبل أن يسافر يتعجل الاغتمام بإخراج المال والنفقة بسبب ذلك السفر ثم في سفره يتعجل الغربة عن المنزل والتعب والأذى والمكاره والخوف على البدن والمال والجسم وربما ناله في عاجل سفره بعض ما ذكرنا من المكروه قبل الظفر بشيء من الأشياء التي بسببها سافر وكان ينبغي له أن لا يصحب إنسانا لطلب الخير والفوائد والزيادة في الجاه والقدر لأنه يتعجل بذلك الوجه بطلب الوسائل لصحبته لذلك الإنسان ثم يتعجل الذل والهوان بسبب خدمته له قبل انتفاعه به وكان ينبغي أن لا يأمل شيئا ولا يرجوه لأنه إذا أمل شيئا ورجاه تعجل الاغتمام بالفكرة والسعي فيه إلى وقت ظفره به فكل هذه الأشياء التي ذكرنا وغيرها مما هو من هذا الجنس قد يتعجل الناس بسبب طلبهم إ ياه المكروه والاغتمام وربما تلف أحدهم قبل الظفر بشيء مما طلب فإن سلم أحد منهم ببدنه وظفر بما طلب فقد تعجل الغم والتعب الشديد والنفقة والخوف على المال والبدن وبذل الوجه والذل وكثيرا من المكاره والأذى فإن فاته ذلك مع ما قد تعجل من هذه المكاره التي وصفنا أعقبه الأسف والحسرة والندامة على ما أنفق من ماله وأتعب من بدنه وبذل من جاهه وناله من أنواع المكاره ثم لا حيلة له في رد ما أنفق من المال ولا في دفع ما تعجل من الغموم والمكاره ولا ينفعه الأسف والندامة على ما فات وأما الاغتمام الذي يتعجله الإنسان بتقدمة العلم من دلالات النجوم بالمكاره التي يرى فيها أنه يصيبه في وقت آخر والاغتمام الذي يعقبه بسبب فكرة فيها إلى وقت حلولها به فإنه ينتفع بهما لأنه إذا تقدمت معرفته من دلالات النجوم بالمكروه الذي يناله تفكر في الحيلة في دفعه وفي إصلاح أموره كما ذكرنا فيعقب تقدمة معرفته بها وفكرته فيها دفع ما أمكن من ذلك المكروه
وأيضا فإن هؤلاء القوم لو تقدمت معرفتهم من دلالات الكواكب أن الأشياء التي يطلبونها لا تتم لهم ولا يظفرون بها تركوا طلبها والحركة والسعي فيها فلم يتعجلوا المكروه والاغتمام ولا أعقبتهم الحركة فيها والفكرة والندامة والأسف فمعرفة الإنسان بالمكاره التي تصيبه مما يدل عليه النجوم نافعة جدا
Page 166