الصنف الثامن وأما الصنف الثامن فهم الأطباء الحذاق العلماء بصناعة الطب الذين قد قرؤوا كتب الأوائل في علم الطب وعرفوا أصول صناعتهم واختلاف الطبائع والأزمنة وتغييرها وسائر ما يحتاجون إليه في صناعتهم من الأشياء المفردة والمركبة فهم يعرفون فضيلة علم أحكام النجوم ويعلمون أن علم النجوم هو أولية علم الطب ويستعملون صناعة أحكام النجوم مع صناعة الطب استعمالا دائما في معرفة الأوجاع وزيادتها ونقصانها وفي أوقات العلاجات فيكثر صوابهم في صناعتهم ويسلم المرضى عليهم ويبرؤون على أيديهم ويكثر منفعة الناس بهم فأما قوم من أطباء العدد ممن كثر جهلهم وقصرت عقولهم عن معرفة ما يحتاجون إليه وإنما قصدهم في صناعتهم تقدمة الكسب وتأخير المعرفة فردوا صناعة أحكام النجوم وقالوا إن الكواكب لا قوة لحركاتها في هذا العالم فإن صناعة الطب موجودة ثابتة فأبطلوا صناعة الأحكام بزعمهم وأثبتوا صناعة الطب وهؤلاء قوم من الأطباء ئنما إنما ينظر أحدهم من الطب في العلم الجزئي كالكحل والجبر وظاهر علاج المرضى وإنما استفاد هذا القدر اليسير من العلم بظاهر المعرفة وقليل الزمان فهو غير عالم بما يتعاطى من ذلك أيضا لأنه لم يتبحر قرائة كتب الأوائل في صناعة الطب وفي تقاسيمه ولا عرف طبائع الأشياء ولا طبائع الزمان واتفاقها واختلافها ولا عرف اختلاف العلاجات ولعله إنما قرأ طرفا قليلا من بعض الكتب فمن كان منهم مثل هؤلاء من الأطباء فهم يثبتون صناعة الطب لأنهم يكسبون بسببها ويدفعون علم أحكام النجوم لقلة علمهم بها وليس هذا العلم وحده يدفعون بل يدفعون كل علم يحتاجون في معرفته إلى الفكرة ولو كان هؤلاء قرؤوا كتب الطب لعرفوا أن معرفة أحكام النجوم نافعة لهم في صناعتهم وأنهم يحتاجون إليها
وقد قال إ بقراط الحكيم في كتاب الأهوية حين ذكر اختلاف الأهوية والطبائع إن الأشياء التي ذكرنا من تغيير الأهوية هي من علم النجوم فإن علم النجوم ليس بجزء صغير من علم الطب وإنما قال هذا المرء الحكيم هذا القول لأن الأطباء ئنما إنما يستدلون على الأشياء باختلاف الأزمنة وتغيير الطبائع وإنما يكون هذا الاختلاف والتغيير بقوة حركة الشمس والكواكب وهذا هو من علم النجوم فالأطباء ئذا إذا مضطرون إلى معرفة علم النجوم ليعرفوا بها أصول صناعتهم على الحقيقة
Page 140