ولو كان بطلميوس وكل المتقدمين الذين عنوا بحقيقة مواضع الكواكب إنما كانوا يرصدونها إذا كانت في ذروة أفلاك تداو يرها أو في موضع معلوم منها ثم وافق موضع الكوكب من فلك تدو يره مثل موضعه من فلكه الخارج المركز ثم يتركونها إلى أن يعود الكوكب إلى ذلك الموضع من فلك تدو يره وفلكه الخارج المركز ثم يقيسونه مرة أخرى لكان حقيقة موضع الكوكب لا يوجد البتة وكان لا يعرف عدد أفلاك الكواكب ولا ذروة كل فلك ولا حضيضه ولا سائر مواضعه لأنهم بالرصد الكثير في مرار كثيرة في سنين مختلفة في زمان بعد زمان عرفوا مواضع الكواكب وسيرها في سنة سنة وأدوارها وعدد أفلاكها وغاية علو كل فلك وهبوطه وسائر مواضعه وحالاته وكذلك عرفت الحكماء ما اشتبه عليهم من طبائع الكواكب ودلالاتها فإنهم نظروا إلى مواضعها وحالاتها في بعض البروج في زمان من الأزمنة فوجدوا لها الدلالات على أشياء معلومة فعرفوا تلك الدلالات وكتبوها وجعلوا مواضعها وحالاتها مثالا يقيسون عليه ثم فتش عن تلك الدلالات قوم من الحكماء بعد سنين كثيرة واعتبروا مواضع الكواكب في زمانهم ذلك بما كان وجده المتقدمون فوجدوا لها الدلالات على أشياء مشاكلة للدلالة الأولى فجعلوا تلك الدلالات أمثلة واعتبارات ثم نظرت الفلاسفة إلى تلك الأشياء التي كانت الكواكب دلت عليها مرة بعد مرة فقاست عليها ما كان خفي عليها من دلالاتها فصح لهم ما أرادوا من دلالات الكواكب
ولو كانوا فتشوا عن دلالاتها عند رجوعها إلى مواضعها بعد ألوف سنين فلم يكن يتبين لهم شيء البتة وإنما يتبين لهم ما أرادوا من الدلالات حين عرفوا في وقت بعد وقت في سنين كثيرة مختلفة مواضع الكواكب ودلالاتها فقاسوا على ما وجدوه ما كان غائبا عنهم حتى علموا دلالاتها على الأشياء وكذلك العلماء فإنهم إنما وجدوا الأشياء الخفية لأنهم قاسوا عليها بما كان ظاهرا عندهم من ذلك الجنس لأن الأخبار الصادقة عن شيء من الأشياء مرة بعد مرة في أوقات مختلفة والدلالات الواضحة عليه تقوم مقام المعاينة والوجود الحاضر
Page 132