19

Grand Introduction

Genres

وربما عجز أيضا بعض علماء هذه الصناعة في وقت نظرهم في بعض الأشياء ئلى إلى أن يبلغوا من حقيقته والإحاطة به ما لا يخطؤون فيه لعجزهم في ذلك الوقت عن استعمال الفكرة في كل شيء يحتاجون إلى معرفته في ذلك المعنى بعينه وربما كان ذلك الخطاء لاشتباه دلائله وعسر تمييز بعضها من بعض وكذلك كل العلوم اللطيفة الغامضة فإنه ربما عجز كثير من الناس أن يحيط بها علما وربما لم يأمن علماؤها في بعض الأوقات الخطاء والزلل وخاصة إذا كان على مثل ما ذكرنا من علم هذه الصناعة فإذا كان علم هذه الصناعة وسائر الصناعات التي يحتاج فيها إلى تقدمة المعرفة على ما ذكرنا من الغموض وبعده من الحواس فلا ينبغي أن يبطل ما يدرك من علمها لمكان ما لا يدرك منه ولا يحمل جهل من جهلها أو حرفها عن موضعها على من علمها وصدق عنها ولا يرفض ما قوي عليه من ذلك زهدا فيه إذ لم يقدر على أكثر منه ولا يمنعه ضعفه عما لا يعلم منه من استعمال ما يعلم منه ولا يصده خوف ما يعرض فيه من الخطاء عند ضعفه عن أن يستمتع بما يقوى عليه منه فيقضي به حاجته فإن قليل العلم كثير النفع ولا سيما تقدمة المعرفة بما هو كائن وعلم ما هو آت

وقد نرى الأطباء وغيرهم من أصحاب الصناعات قد يخطؤون في تقدمة المعرفة بالأمراض والعلل عند ما يخبرون به عما يكون ويحدث بالمريض من شدة علته أو خفته وسرعة بروئه أو طول مرضه وسلامته أو موته وسائر حالات الأمراض مما يحدث فيها ويؤول إليه حاله منها فلا يمنع الأطباء قليل خطائهم من الرغبة في صناعتهم والتزين بها واستعمالها ولا يشتد إنكار الناس ذلك عليهم ولا يمنعهم ما رأوا من قليل خطاء هؤلاء في صناعتهم من طلب الانتفاع بعلاجهم والاستراحة إلى مداواتهم والسرعة إلى تصديقهم في إخبارهم عما هو كائن من الصلاح والفساد في أبدانهم بما تقدمت لهؤلاء عندهم من المنفعة والصواب الذي كانوا قد عرفوه منهم في قديم الأيام بطول التفقد والتجارب وكذلك مدبرو السفن فإنه لا يدع الملاح ملاحته ولا يدع الناس ركوب الماء بقليل خطاء الملاح وكذلك سائر العلوم والصناعات لا يكاد أهلها يسلمون من عارض خطاء أو حادث آفة يتهيأ لهم ولا تبطل صناعتهم لذلك

Page 76