82

أيها الشعب الكريم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. وبعد فإن الله سبحانه وتعالى قد بعث محمدا والعرب منكمشون في جاهليتهم المظلمة وماضون في حروبهم الداخلية والطوائل والأحقاد مستحكمة في أفئدتهم، فوحد كلمتهم، وألف بين قلوبهم وجمع بين أهوائهم وقادهم إلى ما فيه طريق رشادهم وأخرجهم من الضلال إلى الهدى وملكهم الدنيا وهم آبون كارهون، ورب قوم يقادون بالسلاسل إلى الجنة. وتركهم على خير ما ترك نبي أمته، فجزاه الله عن العرب خيرا

صلى الله عليه وسلم . ثم خلف من بعده الخلف الصالح وهم الخلفاء الراشدون، فاتبعوا سنته وفتحوا الفتوح وأسسوا دعائم الدولة العربية وشادوا لهم من المدنية صرحا، فبه

صلى الله عليه وسلم

وبهم رضي الله عنهم، كان للعرب ما كان من المفاخر المادية والمعنوية حتى أصبحوا مصابيح الوجود ونباريس الكائنات. وكلكم تعلمون ماضي دولكم من أمويين وعباسيين وأندلسيين وفاطميين، كل ذلك كان بالاقتداء بتعاليمه

صلى الله عليه وسلم

وبالاعتصام بالوحدة في الرأي والعمل، وبالائتمار بأوامر من كانت بيده مقاليد الأمور وبني عليه الأمل.

ثم شاءت الأقدار الصمدانية للحكمة الأزلية أن يقلب الدهر للعرب ظهر مجنه، ويصحبهم بكوارثه ومحنه، فأصابهم ما أصاب غيرهم من الأمم وضرب التخاذل بينهم بجرانه، وعمت التفرقة وانتشرت الفوضى وتسلطت الأعاجم على أهم أمورهم ومراكز إدارتهم وشؤونهم، فوقع على الدولة العباسية ما وقع وأضاع العرب ما اكتسبوه بالأنفس والنفائس، وظلوا بعدها كما تعلمون إلى أن أذن الله بالحرب العامة في أثناء انتباه الأفكار العربية وسعيها لإعادة مجدها السابق وعزها الغابر، فوقعت النهضة العربية المباركة على يد من اختاره الله سبحانه وتعالى قواما لها وقائدا لأمورها، فنادى إلى الحق فأيقظ الهاجد في عماه، ونبه الغافل في كراه، وخاض غمار الحرب العامة في أشد أوقاتها خطرا متكلا على الله وعلى قومه، والنصر من عند الله، فكلل جميع أعماله بالنجاح لائتمار العرب أثناء الحرب بأمر واحد واتباعهم مركزا واحدا.

ثم إني لا أرى هنا حاجة لذكر ما عقب الهدنة من الاستعجال المشمومة منه رائحة الانقسام، والذي أدى لمصابنا في أهم أجزاء وطننا وأحبه، والذي أخر النتيجة المطلوبة، مما يجب أن يكون محلا للانتباه والحذر من الآن فصاعدا، ويوجب الاستمساك بوحدة الرأي والعمل؛ كل ذلك كان من الأقدار الإلهية، حرسنا الله مما فيه غضبه ووفقنا لما فيه رضاه.

وإنني في هذا الموقف بعد الشكر لله سبحانه وتعالى، أخبركم بما تم على يد صاحب الجلالة الهاشمية وصاحب الحشمة الإمبراطورية البريطانية من العهد الضامن إن شاء الله لكل الرغائب، وأشترك معكم بكل سرور في هذه الحفلة بما كان قد تم في أثناء وجودي في لندن من اعتراف الحكومة الفخيمة البريطانية باستقلال هذا القسم من المملكة العربية. ولا شك بأن ذلك أيضا من نتائج السياسة الحكيمة التي اتبعت هنا ومعاضدة الحكومة البريطانية العظمى.

Page inconnue