الذين يعشقون أخريات النهار ومبادئ الليل حين يختفي القرص وتظلل الفروع والأوراق ينساب من بينها ريح هائم تلف المحبين في عبيرها، وأخيرا ودعنا الغابة وفي النفس أكبر الشوق لها.
27-31 أغسطس
هذه الأيام الأخيرة من شهر أغسطس كان فيها هنا سعد باشا زغلول وعاطف وحسن صبري، وكان مشغولا بهم جدا بهي الدين فساعدني هذا على قراءة كتاب هول كين (النبي الأبيض) الذي كتبه عن أحوال مصر، واليوم وقد فرغت منه أرى أن أسطر إحساسي والتأثيرات التي أخذت بنفسي من قراءة هذا الكتاب باعتباري ذلك المصري العليم إلى حد ما بأخلاق قومي وعاداتهم.
يمثل الرجل في كتابه حكم الإنكليزي أيام قنصلية اللورد كرومر وقد حكى التاريخ حكاية هي الواقع والحقيقة في الصحائف الأولى من الرواية، ثم لما مشى ببطل روايته إسماعيل الأمير فيما أراد أن يسلك به، تراه وقد مثل جماعة المصريين بما يسميه
Allah intoxicated people
مجاذيب لا يمس الواحد منهم صاحبه إلا ويصيح مناديا الله الله، أو لا تحدث حادثة مهما دق أمرها وصغر قدرها إلا ويتمثل في نفوسهم ذلك التعصب الديني الإسلامي في أفظع أشكاله، ولقد رام هول كين في روايته هذه أن يرمي طيرين بحجر، فيرضي المصريين والإنجليز معا، وأحسبه إلى حد معين قد وصل إلى ما أراد من غايته، ولا شيء أدل على هذا من سرور طائفة كبيرة من المصريين بهذا الكاتب وكتابه مع أنه يمثلهم فيه تمثيلا فظيعا، أمة متأخرة إذا نعق بينها ناعق باسم الدين تبعته بين الصحاري تحتمل أشعة الشمس المحرقة وشظف العيش الأيام الطوال وتصدق أن كل ما يجيء به ذلك الناعق الديني معجزة من الله لذلك المخلوق الذي يريها لهذا المجموع، ليت هذا كان كل الأمر، بل أنه رمى الخديوي أيضا في روايته بأنه في نفسه تأليف خلافه عربية إسلامية يكون مقرها القاهرة، ويساعده في هذا جماعة العلماء الذي وصف الكثيرين منهم بالضعف والنفاق، لم تسلم طائفة من الطوائف التي تقوم في بنيان الأمة من النقص، كبراء منافقون وخديوي متعصب وأمة عمياء سكرى بخمرة الدين.
ليته وقف عند هذا، بل أن الذي يرجع بأغراضه إلى وقائعها لا بد يجد ما وجدته من التعريض بالنبي في ذاته، كأنه يريد أن يري الناس طريق المعجزات التي كان يجيء بها وتلك الإشاعات المشوشة التي جاءت بعده في التاريخ كانت ما ينادي به بطله الذي سماه
Black Zogal
بالنسبة لإسماعيل الأمير، وإنني لأرى الرجل سيئ الظن بالأمة المصرية إلى حد ليس صغيرا.
فوق هذا كله فمع ما رمى به كثيرين من المصريين من النفاق والضعف والتعصب إلى آخر ما رماهم به، لم يقل عن إنكليزي في مصر إلا كل الخير أكثر من أنه أنحى على لوردنتهام في روايته ولورد كرومر في الواقع، حيث أظهر أن من رأيه أن أخريات أيام اللورد كرومر كانت ستثير الأهالي، وبذلك قد تحدث خطرا على الأمة البريطانية في مصر، إنكليزي هو الآخر يعزز بقاء إنكلترا في مصر، يزيد دليلنا هذا قوة أن الشخص الذي كان موضع إكبار المصريين وحبهم واحترامهم (جوردن) كان من هذا الرأي أيضا وإن كان من رأي آخر في سياسة الأمة.
Page inconnue