الفصل السادس «جماعة» قديمة الطراز تلعب الورق ... أشعار القسيس وأبياته ... قصة «عودة السجين» ... ***
ونهض عدة أضياف من مجالسهم في تلك القاعة القديمة؛ لتحية المستر بكوك وأصحابه عند دخولهم، وتوانى المستر بكوك خلال فترة التقديم والتعارف، ومراسيمها المرعية؛ ليتأمل القوم الذين أحاطوا به، ويلاحظ أشكالهم، ويفكر فيما عسى أن تكون شخصياتهم وصناعاتهم، وهي عادة كان يحرص على مراعاتها عادة، كدأب الكثير من العظماء أمثاله.
وكانت في مجلس الصدارة من الجمع سيدة عجوز، غطت رأسها بقبعة عالية، وارتدت «ثوبا» من حرير ناصع اللون، وتبين أنها لم تكن سوى والدة المستر «واردل» بجلالة قدرها، وكان مجلسها في الجانب الأيمن من المدفأة، بينما ازدانت الجدران بصور مختلفة نواطق بأنها نشأت النشأة الواجبة لها في شبابها، ثم لم تفارقها أو تنحرف عنها في مشيبها، وهي صور شتى ... قديمة التواريخ، إلى جانب مناظر طبيعية، لا تقل عنها قدما، ومقابض قرمزية حريرية لأباريق شاي أحدث عهدا، وكانت العمة والفتاتان والمستر واردل يتنافسون على إبداء العناية البالغة، والرعاية المستمرة للسيدة الكريمة، وهم مزدحمون حول مقعدها الرحيب، بين ممسكة بمسمعتها، ومتقدمة ببرتقالة في يدها، وأخرى بزجاجة رائعة لمعطسها، ورابعة منهمكة في توطئة الوسادات المرفوعة سنادا لها، بينما جلس قبالتها سيد عجوز أصلع، يبدو المزاج الرافق والطيبة على وجهه، وهو قسيس دنجلي ديل، واتخذت زوجته مجلسها بجانبه، وهي سيدة متقدمة في العمر بدينة، متفتحة كأكمام الزهر، تبدو كأنها لم تبرع في فن صنع الأشربة المنزلية والمرطبات وأسرار تخميرها وإجادتها، إلى الحد البالغ الذي يرضي شاربها فحسب، بل برعت في مذاقها أحيانا لإرضاء نفسها كذلك، وكان في القاعة أيضا رجل صغير الجثة، شديد المراس، له وجه كالتفاحة، وهو يتحدث إلى سيد كبير السن بدين في ركن منها، واثنان أو ثلاثة أشياخ آخرين، ومثلهم من السيدات، وقد جلسوا جميعا معتدلي القدود، جامدين في مقاعدهم، ينظرون مليا إلى المستر بكوك ورفقائه في سفره.
وانثنى السيد واردل يقول بأعلى صوته: «هذا هو السيد بكوك يا أماه.»
وقالت العجوز وهي تهز رأسها: «آه ... لا أستطيع سماع كلامك.»
وهنا صرخت الفتاتان في نفس واحد: «المستر بكوك ... يا جدتي.»
وصاحت العجوز: «آه ... حسن ... هذا الأمر لا يهم كثيرا ... بل أني لأجترئ فأقول إنه لا يعني بامرأة عجوز مثلي.»
وقال المستر بكوك وهو يتناول يد السيدة الكبيرة، ويرفع صوته حتى ليبدو الاحمرار على سحنته الخيرة: «أؤكد لك يا سيدتي، أن لا شيء أبهج لخاطري من لقاء سيدة في مثل سنك على رأس أسرة طيبة كهذه، تبدو في منتهى الشباب والعافية.»
وعادت السيبدة العجوز بعد لحظة سكون تقول: «آه ... كل ذلك بديع ... ولكني لا أستطيع أن أسمعه.»
وقالت إيزابللا واردل مخافتة: «إن جدتي الآن كدرة المزاج ... ولكنها لن تلبث أن تتحدث إليك.»
Page inconnue