فتطلع المستر ونكل إلى قرصها المتواري، وتملكه عندئذ خاطر أليم، وهو لعله أيضا موشك على «الانحدار» والمغيب.
وبعد أن سار الصديقان بضع دقائق، صاح المستر ونكل قائلا: «ها هو ذا الضابط.»
قال: «أين؟»
أجاب: «هناك، ذلك السيد المتزمل بقباء أزرق ... فنظر المستر سنودجراس صوب الموضع الذي أشار إليه صديقه بسبابته، فلمح شخصا مزملا كما وصفه، وأبدى الضابط انتباهه إلى وجودهما بإشارة خفيفة من يده، فتبعه الصديقان على قيد خطوات منه، وهو يبتعد منصرفا.
وجعل المساء يزداد في كل لحظة بلادة وإعتاما، وهبت ريح حزينة على تلك المساحات المهجورة صافرة، كأنها صفير عملاق جبار من بعيد لكلب بيته، كما أضافت كآبة الموضع أثرا من اكتئاب على مشاعر المستر ونكل؛ فأحس رجفة، وهما يجتازان زاوية الخندق، فقد بدت له أشبه بقبر ضخم رهيب.
وما لبث الضابط أن تحول فجأة عن الدرب، وبعد أن تسلق سياجا واجتاز سورا من عوسج، دخل ساحة منعزلة، فإذا سيدان في انتظاره، أحدهما قصير القامة بدين أسود الشعر، والآخر سيد وجيه في معطف سابغ مزركش، وقد جلس في هدوء تام فوق مقعد من مقاعد المعسكرات.
وقال المستر سنودجراس: «أحسبهما الخصم والطبيب ... هلا تناولت قطرة من «البراندي»؟ فتناول المستر ونكل الزجاجة من كف صاحبه، وتناول رشفة مستطيلة من الشراب المنعش الذي احتوته.
وأنشأ المستر ونكل يقول عندما اقترب الضابط منهما: «هذا صديقي المستر سنودجراس يا سيدي ...» فانحنى صديق الدكتور سلامر، وأخرج حقيبة مماثلة للحقيبة التي كان المستر سنودجراس يحملها.
وانثنى الضابط يقول ببرود وهو يفتح الحقيبة: «أظن يا سيدي أن لا شيء آخر يمكن أن تقوله، بعد أن رفض تقديم الاعتذار رفضا قاطعا ...»
وأجاب المستر سنودجراس، وقد بدأ هو الآخر يشعر بشيء من الانزعاج: «لا شيء يا سيدي.»
Page inconnue