إنما ذهب هذا الرجل المريد للتزوج إلى المؤدب محرز لأنه يعرف أنه الوحيد الذي يمده بما يستعين به على زواجه، والمؤدب ليس من الأثرياء بخلاف ابن العظيم فإنه كان من الأثرياء ومع ذلك لم يذهب إليه لأنه لا يعينه للتكالب على جمع المال.
وزيادة على شحه كان يحتكر الطعام، ولو كان الناس في حاجة إليه، وربما لم يؤد زكاته.
ولهذا تعلق الناس بابن أبي زيد وأمثاله لأنهم لمسوا فيهم أنهم ليسوا دعاة لجمع المال باسم الدين، وإنما هم دعاة مخلصون. وما حصل لهم حصل من أوجه حلال لم يكن ليخصوا به أنفسهم، بل كانوا ينفقون بسخاء على الطلبة المزاولين للتعليم كما أنهم لم ينسوا الفقراء، فوجدوا فيهم الإعانة الكافية.
وكادت مواقف ابن أبي زيد تجلب له النقمة من رجال الدولة الصنهاجية المتغالين في الدعوة العبيدية، لولا تضامن مشيخة رجال القيروان.
ذكر القاضى عياض في مداركه في ترجمة أبى محمد عبد الله بن إسحاق المعروف بابن التبَّان (١٨):
"أن عبد الله المعروف بالمحتال صاحب القيروان شدد في طلب أهل العلم ليشرقهم (١٩)، فطلب الشيخ أبا سعيد بن أخي هشام، وأبا محمد التبان، وأبا القاسم بن شَبْلُون، وأبا محمد بن أبي زيد، وأبا الحسن القابسي ﵃، فاجتمعوا في مسجد ابن اللجّام، واتفقوا على الفرار، فقال لهم ابن التبان: أنا أمضي إليه وأكفيكم مؤونة الاجتماع، ويكون كل
_________
(١٨) ابن التبان كان من الراسخين في العلم والذابين عن السنة (٣٧١).
(١٩) التشريق هو المذهب العبيدي الشيعي.
1 / 17