Problèmes de la civilisation moderne
معضلات المدنية الحديثة
Genres
ماكس نورداو
نظر في الحياة ومثال من آرائه الاجتماعية
1
الاستقلال في الرأي صفة نادرة في الناس، وأندر منها أن تقع على آثارها في التراجم التي يترجم بها عن حياة العظماء، فلطالما فنيت شخصيات المترجمين في شخصيات الذين يترجمون عنهم، حتى قال لورد ماكولي كبير نقاد الإنجليز في القرن الفارط: إن الإغراق فى مدح المشاهير مرض اجتماعي لم يخلص منه إلا قليل من الكاتبين، كثر ما ساقت بهم فكرة الاستقلال في الرأي إلى الإغراق في النقد، فأسرفوا فيه، حتى أوقعهم حذرهم من المحاباة في معرة البعد عن الإقساط في القول والإنصاف في الحكم.
على أن ادعاء العصمة، كشأن الادعاء في كل شيء، رذيلة كبرى، وهي أشنع ما يبلغ إليه الإنسان من مدارج الإسفاف والسقوط.
ننبه على ذلك لأننا سنقدم على الكلام في «ماكس نورداو»، وهو رجل ذو شخصية بارزة في عصرنا الحاضر، اختلف الناس فيها اختلافهم في كل شيء، فمن قائل بأنه فيلسوف، ومن زاعم بأنه مصلح اجتماعي، ومن مغال فيه يقول إنه نبي الجيل الحاضر، ومن مسرف في النقد قائل بأنه ليس أكثر من متشائم
نظر في العالم من ناحيته السوداء، فطمى عليه سيل الحيرة والفوضى.
إن كل كلمة من هذه الكلمات تدل على أن الرجل قد أنصفه التاريخ. وإن كان كل ما في العالم أثر مما فيه، صح مع ذلك ما قاله العلامة ستيوارت ميل: «لا تطمع أن تنال من الدنيا أكثر مما في استطاعة الدنيا أن تعطيك.»
والدنيا قد أعطت «نورداو» أكثر ما في استطاعتها أن تعطيه، كالت له المدح وزفت له الثناء، كما أنها لم تبخل عليه بالنقد مكيلا في بطون الأوراق الخالدة.
ومما لا ريبة فيه أن الحكم على الآثار العقلية بنسبة زمان واحد خطأ نفساني فاشية آثاره بين الناس، لذلك يصح أن يترك الحكم على الرجل للتاريخ، وللتاريخ البعيد أيضا؛ لأن الحكم على منتجات الفكر كما قامت في عقول واضعيها أمر بعيد عن النصفة والإقساط، فقد يتفق أن يكون للفكرات السلبية التهديمية ذاتها نصيبا من العمل على رقي الإنسان، لذلك كان الواجب أن يتكون الحكم على العظماء حسبما تخلف أعمالهم من الآثار لمستقبل الأجيال.
Page inconnue