Les œuvres d'Ibn Rushd
مؤلفات ابن رشد
Genres
ومنذ البدء اتضح لي أن العمل هنا يختلف تماما عما كان عليه عندما عرضت لأعمال ابن سينا، فهذه الأعمال السينوية - على تعددها وتنوعها - لا تزال كلها بلغتها الأصلية: وهي العربية وقدر قليل باللغة الفارسية، ومخطوطات ابن سينا العربية موزعة في مكتبات العالم، ونصيب مكتبات الأستانة منها عظيم، وكثير منها لم يكن معروفا إلا باسمه ورقم سجله، وكان لا بد لي أن أفحصها وأصفها، أما الترجمات اللاتينية لبعض مؤلفات ابن سينا فقد كانت منذ مدة طويلة موضع اهتمام أخصائيين مهرة أشبعوها درسا، وعلى كل حال لم يكن لهذه المخطوطات اللاتينية إلا أهمية ثانوية بالنسبة إلى جمع أعمال ابن سينا الكاملة التي كانت تحت أيدينا في أصلها العربي.
والأمر يختلف اختلافا كبيرا بالنسبة لابن رشد، حقا إن بعض مؤلفاته معروف ومنشور بلغته الأصلية مثل: «فصل المقال» و«مناهج الأدلة» و«تهافت التهافت» و«بداية المجتهد»، ومنها ما نشر نشرا علميا محققا، ودارت حولها دراسات مختلفة، ولكن هناك قدرا كبيرا من مؤلفاته - وبخاصة شروحه على أرسطو - لم يعثر على نصه العربي بعد، ولا توجد له أصول إلا في ترجمتها اللاتينية أو العبرية، ومنها ما احتفظ بالنص العربي مكتوبا بحروف عبرية، وقد بين ولفسون
Wolfson - الذي كان قد كلف من الأكاديمية الأمريكية للقرون الوسطى بالإشراف على نشر مجموعة مؤلفات ابن رشد اللاتينية - أن من بين الثمانية والثلاثين (38) شرحا لابن رشد على أرسطو، ثمانية وعشرين (28) فقط موجودة بنصها العربي، ومن بين هذه الثمانية والعشرين (28) تسعة مكتوبة بحروف عبرية، ومعنى هذا أن من بين الثمانية والثلاثين (38) شرحا التي وصلت إلينا تسعة عشر (19) فقط يستطيع الباحث العربي العادي قراءتها، ومنها ستة وثلاثون لا تعرف إلا ترجمتها العبرية وأربعة وثلاثون احتفظ لنا الزمن بترجمتها اللاتينية.
فابن رشد الفيلسوف المسلم يبدو أحيانا في ثوب عربي وأحيانا أخرى في ثوب عبري أو لاتيني، وكل واحد من هذه الوجوه الثلاثة يتطلب لدراسته أخصائيا متضلعا في لغته.
وبدت مهمتنا في أول الأمر وكأنها متعذرة المنال، ولكن بعد التدبر رأيت أن أسلك مسلكا متواضعا لا يسد الباب على دراسات لاحقة، واستبعدت بادئ ذي بدء المخطوطات العبرية واللاتينية واستعنت أساسا بالمخطوطات العربية وركزت عليها، والقناعة كنز لا يفنى، ولم يمنعني هذا من أن أشير في بعض المناسبات إلى الطبعات اللاتينية والعبرية التي حققت في القرون الوسطى وفي عهد النهضة، وفي هذا تكميل للفائدة.
وبفضل هذا المسلك اتسمت خطة بحثنا بوضوح، والمخطوطات العربية غير كثيرة نسبيا ومعظمها نال من الباحثين حظا كبيرا من العناية والتدقيق فوصفت مرارا بدقة ونشر معظمها نشرا علميا، ومن تحصيل الحاصل أن نعود إليها بعد أن قتلها درسا علماء أمثال: لاسينيو وموللر والأب بويج وفؤاد الأهواني وسليم سالم وعبد الرحمن بدوي وجورج حوراني، وانصب عملنا بخاصة على جمع كل ما يمت إلى ابن رشد بصلة من مؤلفاته والإشارة إلى محتوياتها، ووصف مخطوطاتها كما ذكرها محققوها، أو فحص المخطوطات نفسها إن لم تكن قد درست من قبل دراسة كافية أو إذا أثار بعض نصوصها إشكالا.
وأثناء أسفارنا في أوروبا وأمريكا تمكنا من زيارة المراكز والمكتبات التي يوجد فيها أقسام خاصة بدراسات القرون الوسطى والفلسفة العربية الإسلامية مثل: المكتبة الأهلية بباريس ومكتبة الفاتيكان، ومركز وولف مانسيون بجامعة لوفان، وجامعة كالفورنيا في لوس أنجلوس، وجامعة بركلي بالولايات المتحدة، واستقينا بالطبع من بروكلمان كل المعلومات الخاصة بابن رشد، كما لجأنا إلى قوائم المكتبات وفهارس المجلات المتخصصة في دراسة القرون الوسطى، واطلعنا على جميع الكتب التي وصفناها وعددا كبيرا من المقالات المنشورة في مختلف المجلات.
وهناك بحث كان خير معوان لنا في ابتداء عملنا، ألا وهو بحث الأب بويج الخاص بمخطوطات ابن رشد (انظر ص58)، فقد جمع هذا الباحث القدير في مقاله كل ما استطاع أن يصل إليه من بيانات عن المخطوطات المشتتة في أرجاء العالم، وسبق له ان اطلع على معظمها شخصيا قبل بدء عملنا هذا، أفدنا من ذلك كله وأدمجناه في مؤلفنا، مستكملين ما كان يحتاج إلى استكمال في ضوء الدراسات التي ظهرت بعد مقاله هذا.
ورأينا أخيرا لفائدة قرائنا العرب أن نقدم بعض البيانات الخاصة بالنشرات اللاتينية لمؤلفات ابن رشد وبالرشدية اللاتينية، وترجمنا من اللاتينية إلى العربية القسم الخاص بابن رشد من كتاب «أخطاء الفلاسفة» (انظر هنا ص305-308).
وكان لا بد أن نضع هذه الكمية الكبيرة من الوثائق والبيانات والمعلومات والتحقيقات في إطار منطقي محكم تيسيرا على الدارسين والباحثين، وقد ناقشنا في الباب المخصص لتصنيف أعمال ابن رشد المناهج المختلفة الممكن اتباعها للقيام بهذا التطبيق ، وبينا أسباب تفضيلنا للمنهج الذي اخترناه، ويجد القارئ في أول الكتاب وآخره فهرسا مفصلا بالفرنسية والعربية لأجزاء الكتاب من أقسام وأبواب وفصول وفقرات، ووضعنا في أعلى كل صفحة من الكتاب عبارة تدل على ما تحتويه.
Page inconnue