Les œuvres d'Ibn Rushd
مؤلفات ابن رشد
Genres
منهج البحث
مقدمة
القسم الأول: ابن رشد في مصادره
1 - المصادر الأساسية
2 - المصادر الإضافية
3 - منهج ترتيب المؤلفات
القسم الثاني: ابن رشد العربي
1 - المؤلفات الفلسفية
2 - المؤلفات الكلامية
3 - المؤلفات الفقهية
Page inconnue
4 - المؤلفات العلمية
5 - المؤلفات المنحولة أو التي يشك في نسبتها إلى ابن رشد
القسم الثالث: ابن رشد في الغرب في العصر الوسيط وفي عهد النهضة
مقدمة
1 - ابن رشد عند اللاتين - الترجمات اللاتينية الأولى من العربي في القرنين الثاني والثالث عشر
2 - ابن رشد عند اليهود - الترجمات اللاتينية بواسطة الترجمات العبرية
3 - ابن رشد في عهد النهضة
4 - أثر ابن رشد في الغرب في العصر الوسيط
القسم الرابع: كتب ومقالات عن ابن رشد باللغات الغربية1
1 - كتب ومقالات عن ابن رشد باللغات غير العربية
Page inconnue
2 - البحوث عن ابن رشد باللغات غير العربية
القسم الخامس: ابن رشد العالمي
1 - الندوات والمؤتمرات التي احتفلت بابن رشد
2 - نشر مؤلفات ابن رشد
ملحق
الفهارس
منهج البحث
مقدمة
القسم الأول: ابن رشد في مصادره
1 - المصادر الأساسية
Page inconnue
2 - المصادر الإضافية
3 - منهج ترتيب المؤلفات
القسم الثاني: ابن رشد العربي
1 - المؤلفات الفلسفية
2 - المؤلفات الكلامية
3 - المؤلفات الفقهية
4 - المؤلفات العلمية
5 - المؤلفات المنحولة أو التي يشك في نسبتها إلى ابن رشد
القسم الثالث: ابن رشد في الغرب في العصر الوسيط وفي عهد النهضة
مقدمة
Page inconnue
1 - ابن رشد عند اللاتين - الترجمات اللاتينية الأولى من العربي في القرنين الثاني والثالث عشر
2 - ابن رشد عند اليهود - الترجمات اللاتينية بواسطة الترجمات العبرية
3 - ابن رشد في عهد النهضة
4 - أثر ابن رشد في الغرب في العصر الوسيط
القسم الرابع: كتب ومقالات عن ابن رشد باللغات الغربية1
1 - كتب ومقالات عن ابن رشد باللغات غير العربية
2 - البحوث عن ابن رشد باللغات غير العربية
القسم الخامس: ابن رشد العالمي
1 - الندوات والمؤتمرات التي احتفلت بابن رشد
2 - نشر مؤلفات ابن رشد
Page inconnue
ملحق
الفهارس
مؤلفات ابن رشد
مؤلفات ابن رشد
تأليف
جورج شحاتة قنواتي
منهج البحث
منذ أكثر من ربع قرن (سنة 1948) قررت الإدارة الثقافية للجامعة العربية - وكان على رأسها حينذاك المغفور له الأستاذ أحمد أمين - أن تحتفل بذكرى ابن سينا بمناسبة مرور ألف سنة على ولادته وذلك بإقامة مهرجان كبير له في بغداد، ورأت أيضا وضع دراسة ببليوجرافية شاملة لمؤلفات ابن سينا ترشد الباحثين والدارسين، وكان من حظي أن وكل إلي هذا الدأب الذي اضطلعت به زمنا، واضطررت للسفر إلى إستامبول للوقوف على أصول مخطوطات ابن سينا الموجودة في مكتباتها المتفرقة، واستطعت أن أخرج عام 1950م «كتاب مؤلفات ابن سينا»، ولا أنكر أن هذا الكتاب لم يخل من مآخذ، ولكنه - فيما أعتقد - كان أداة بحث نافعة، واستعان به الدارسون والباحثون ما وسعهم وقد نفدت طبعته منذ زمن، ولعل من الخير أن يعاد طبعه بعد مراجعة وتنقيح كاملين.
وها نحن اليوم أمام ذكرى مفكر إسلامي كبير مضى على وفاته ثمانية قرون، هو أبو الوليد محمد بن رشد الذي طبق صيته الآفاق في القرون الوسطى، وامتد درسه وبحثه في الغرب إلى عصر النهضة والتاريخ الحديث، وقد سمي بحق الشارح الكبير لأرسطو، ورأت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أن تقيم لهذه الذكرى مهرجانا دوليا في الجزائر، وكلفتني مرة أخرى أن أقوم بدراسة ببليوجرافية شاملة لمؤلفاته، أسوة بما قمت به من قبل نحو الشيخ الرئيس ابن سينا.
والحق يقال: إني لم أتردد كثيرا في قبول هذه الدعوة الكريمة، فمنذ أمد طويل كنت عقدت العزم على القيام بإعداد ببليوجرافية شاملة لكبار الفلاسفة الإسلاميين، ومنذ سنين كنت أدأب على جمع البيانات والوثائق الخاصة بمختلف العصور، وعندما طلب مني أن أنجز - بطريقة محددة وفي وقت معين - جزءا من المشروع المنشود، سررت بهذه الفرصة الذهبية التي مكنتني من المشاركة في إحياء ذكرى فيلسوف إسلامي عظيم وأن ألقي بعض الضوء على درسه وبحثه.
Page inconnue
ومنذ البدء اتضح لي أن العمل هنا يختلف تماما عما كان عليه عندما عرضت لأعمال ابن سينا، فهذه الأعمال السينوية - على تعددها وتنوعها - لا تزال كلها بلغتها الأصلية: وهي العربية وقدر قليل باللغة الفارسية، ومخطوطات ابن سينا العربية موزعة في مكتبات العالم، ونصيب مكتبات الأستانة منها عظيم، وكثير منها لم يكن معروفا إلا باسمه ورقم سجله، وكان لا بد لي أن أفحصها وأصفها، أما الترجمات اللاتينية لبعض مؤلفات ابن سينا فقد كانت منذ مدة طويلة موضع اهتمام أخصائيين مهرة أشبعوها درسا، وعلى كل حال لم يكن لهذه المخطوطات اللاتينية إلا أهمية ثانوية بالنسبة إلى جمع أعمال ابن سينا الكاملة التي كانت تحت أيدينا في أصلها العربي.
والأمر يختلف اختلافا كبيرا بالنسبة لابن رشد، حقا إن بعض مؤلفاته معروف ومنشور بلغته الأصلية مثل: «فصل المقال» و«مناهج الأدلة» و«تهافت التهافت» و«بداية المجتهد»، ومنها ما نشر نشرا علميا محققا، ودارت حولها دراسات مختلفة، ولكن هناك قدرا كبيرا من مؤلفاته - وبخاصة شروحه على أرسطو - لم يعثر على نصه العربي بعد، ولا توجد له أصول إلا في ترجمتها اللاتينية أو العبرية، ومنها ما احتفظ بالنص العربي مكتوبا بحروف عبرية، وقد بين ولفسون
Wolfson - الذي كان قد كلف من الأكاديمية الأمريكية للقرون الوسطى بالإشراف على نشر مجموعة مؤلفات ابن رشد اللاتينية - أن من بين الثمانية والثلاثين (38) شرحا لابن رشد على أرسطو، ثمانية وعشرين (28) فقط موجودة بنصها العربي، ومن بين هذه الثمانية والعشرين (28) تسعة مكتوبة بحروف عبرية، ومعنى هذا أن من بين الثمانية والثلاثين (38) شرحا التي وصلت إلينا تسعة عشر (19) فقط يستطيع الباحث العربي العادي قراءتها، ومنها ستة وثلاثون لا تعرف إلا ترجمتها العبرية وأربعة وثلاثون احتفظ لنا الزمن بترجمتها اللاتينية.
فابن رشد الفيلسوف المسلم يبدو أحيانا في ثوب عربي وأحيانا أخرى في ثوب عبري أو لاتيني، وكل واحد من هذه الوجوه الثلاثة يتطلب لدراسته أخصائيا متضلعا في لغته.
وبدت مهمتنا في أول الأمر وكأنها متعذرة المنال، ولكن بعد التدبر رأيت أن أسلك مسلكا متواضعا لا يسد الباب على دراسات لاحقة، واستبعدت بادئ ذي بدء المخطوطات العبرية واللاتينية واستعنت أساسا بالمخطوطات العربية وركزت عليها، والقناعة كنز لا يفنى، ولم يمنعني هذا من أن أشير في بعض المناسبات إلى الطبعات اللاتينية والعبرية التي حققت في القرون الوسطى وفي عهد النهضة، وفي هذا تكميل للفائدة.
وبفضل هذا المسلك اتسمت خطة بحثنا بوضوح، والمخطوطات العربية غير كثيرة نسبيا ومعظمها نال من الباحثين حظا كبيرا من العناية والتدقيق فوصفت مرارا بدقة ونشر معظمها نشرا علميا، ومن تحصيل الحاصل أن نعود إليها بعد أن قتلها درسا علماء أمثال: لاسينيو وموللر والأب بويج وفؤاد الأهواني وسليم سالم وعبد الرحمن بدوي وجورج حوراني، وانصب عملنا بخاصة على جمع كل ما يمت إلى ابن رشد بصلة من مؤلفاته والإشارة إلى محتوياتها، ووصف مخطوطاتها كما ذكرها محققوها، أو فحص المخطوطات نفسها إن لم تكن قد درست من قبل دراسة كافية أو إذا أثار بعض نصوصها إشكالا.
وأثناء أسفارنا في أوروبا وأمريكا تمكنا من زيارة المراكز والمكتبات التي يوجد فيها أقسام خاصة بدراسات القرون الوسطى والفلسفة العربية الإسلامية مثل: المكتبة الأهلية بباريس ومكتبة الفاتيكان، ومركز وولف مانسيون بجامعة لوفان، وجامعة كالفورنيا في لوس أنجلوس، وجامعة بركلي بالولايات المتحدة، واستقينا بالطبع من بروكلمان كل المعلومات الخاصة بابن رشد، كما لجأنا إلى قوائم المكتبات وفهارس المجلات المتخصصة في دراسة القرون الوسطى، واطلعنا على جميع الكتب التي وصفناها وعددا كبيرا من المقالات المنشورة في مختلف المجلات.
وهناك بحث كان خير معوان لنا في ابتداء عملنا، ألا وهو بحث الأب بويج الخاص بمخطوطات ابن رشد (انظر ص58)، فقد جمع هذا الباحث القدير في مقاله كل ما استطاع أن يصل إليه من بيانات عن المخطوطات المشتتة في أرجاء العالم، وسبق له ان اطلع على معظمها شخصيا قبل بدء عملنا هذا، أفدنا من ذلك كله وأدمجناه في مؤلفنا، مستكملين ما كان يحتاج إلى استكمال في ضوء الدراسات التي ظهرت بعد مقاله هذا.
ورأينا أخيرا لفائدة قرائنا العرب أن نقدم بعض البيانات الخاصة بالنشرات اللاتينية لمؤلفات ابن رشد وبالرشدية اللاتينية، وترجمنا من اللاتينية إلى العربية القسم الخاص بابن رشد من كتاب «أخطاء الفلاسفة» (انظر هنا ص305-308).
وكان لا بد أن نضع هذه الكمية الكبيرة من الوثائق والبيانات والمعلومات والتحقيقات في إطار منطقي محكم تيسيرا على الدارسين والباحثين، وقد ناقشنا في الباب المخصص لتصنيف أعمال ابن رشد المناهج المختلفة الممكن اتباعها للقيام بهذا التطبيق ، وبينا أسباب تفضيلنا للمنهج الذي اخترناه، ويجد القارئ في أول الكتاب وآخره فهرسا مفصلا بالفرنسية والعربية لأجزاء الكتاب من أقسام وأبواب وفصول وفقرات، ووضعنا في أعلى كل صفحة من الكتاب عبارة تدل على ما تحتويه.
Page inconnue
وعنينا أخيرا ببعض الفهارس لكي يصبح الكتاب سهل المأخذ سريع الاستجابة لمن يوجه إليه سؤالا.
وإننا لنشكر الأساتذة: جورج فايدا من باريس، والآنسة مانسيون من لوفان، والأستاذ دونيج من لوس أنجليس لمساعدتهم في جمع الوثائق الرشدية، وصديقنا الدكتور عثمان يحيى الذي تكرم بمراجعة عدة نصوص من كتابنا وإبداء ملاحظات قيمة، وأخيرا نشكر السيد أيمن فؤاد سيد الذي ساعدنا في تصحيح بعض الملازم.
ولا يفوتني أن أشير إلى أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم قد لبت رغباتنا في سخاء، وأولت هذا الكتاب كل ما يستحق من عناية، كما أن أشير إلى ما بذلته المطبعة العربية الحديثة من جهد في إخراج هذا الكتاب في صورة دقيقة واضحة تتلاءم مع ما لابن رشد من مكانة في تاريخ الفكر الإنساني.
وعساني بعد كل هذا أكون قد قدمت أداة ثابتة من أدوات البحث، وأسهمت إسهاما علميا في تخليد ذكرى فيلسوف قرطبة الكبير.
الأب قنواتي
لوس أنجليس، القاهرة 1977م
مقدمة
نبذة تاريخية عن حياة ابن رشد ومراحل نشاطه العلمي في ضوء المراجع الأولى
ولد أبو الوليد محمد بن محمد بن رشد بمدينة قرطبة عام 520ه/1126م، في بيت ورث الفقه كابرا عن كابر، وفيه تمكن من علوم زمانه، استظهر على أبيه الموطأ حفظا، كما أنه أخذ الفقه أيضا عن أبي القاسم بن بشكوال وأبي مروان بن مسرة وأبي بكر بن سمحون وأبي جعفر بن عبد العزيز وأبي عبد الله المازري.
قدمه ابن طفيل إلى الأمير أبي يعقوب يوسف عام 548ه/1153م، فكلفه الأمير بشرح مذهب أرسطو، وقد قام بذلك على نمط ابتكره، فخصص لشرح كتب أرسطو ثلاثة أنواع من الشروح: الصغير (المجموع)، والمتوسط (التلخيص)، والكبير (الشرح).
Page inconnue
وكان ابن رشد - إلى جانب تعمقه في الفقه والفلسفة - طبيبا، وقد اتخذه أبو يعقوب طبيبا خاصا له، وفي سنة 565ه/1169م تولى القضاء في إشبيلية ثم في قرطبة بعد ذلك بقليل، ولم يصرفه عنها إلا توليه طب الأمير لنفسه، ثم عاد مرة أخرى قاضيا للقضاة في قرطبة مسقط رأسه، وفي منصب أبيه وجده من قبل، غير أن الأيام تنكرت له، واجتازت البلاد دولة الموحدين، وحل السخط بالفلاسفة فصارت كتبهم ترمى في النار، ووشي به عند الأمير أبي يوسف فأبعده إلى اليسانة (قريبا من قرطبة)، ثم أعيد له منصبه ومات في مراكش - عاصمة المملكة - في صفر سنة 595ه/10 ديسمبر 1189م ونقل رفاته إلى قرطبة حيث يوجد ضريحه.
وكل ما نعرفه عن حياة ابن رشد مستقى من المصادر الستة العربية القديمة الآتية: (1)
ابن الأبار، التكملة لكتاب الصلة، نشرة عزت العطار الحسيني 1-2، (القاهرة 1955-1956م). (2)
الأنصاري، الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، عن مخطوطة دار الكتب الأهلية في باريس رقم 2156، ق7. (3)
ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، القاهرة 1329، ج2 ص75-78. (4)
المراكشي، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، المكتبة التجارية 1949. (5)
ابن قرحون، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، القاهرة 1351ه، ص284-285. (6)
الذهبي، تاريخ الإسلام، من مخطوط باريس، المكتبة الأهلية رقم 1582، ق80ظ.
وإننا نثبت معظم هذه النصوص ذيلا لهذه النبذة.
وقد عرض لكتابة حياة ابن رشد كل من كتب عنه وعن فلسفته وحاولوا أن يضعوه في إطاره التاريخي وأن يكشفوا فيما وراء الحوادث التاريخية عن أسرار مراحل حياته، وكثيرا ما ينقل بعضها عن بعض وتعتمد كلها على النصوص القديمة التي ذكرناها، وقد أثبتنا في الببليوجرافيا (انظر ص309-354) البحوث الحديثة الهامة الخاصة بهذا الموضوع.
Page inconnue
وقد جمع الدكتور عاطف العراقي في كتابه: «النزعة العقلية عند ابن رشد» مجموعة كبيرة من البحوث العربية المتصلة بحياة ابن رشد في اللغة العربية بخاصة، ويمكن الرجوع إليه.
أما فيما يخص البيئة والإطار التاريخي لحياة ابن رشد، فنشير إلى المصدرين الآتيين:
أشباخ (يوسف)، تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، ترجمة محمد عبد الله عنان، مؤسسة الخانجي، القاهرة، الطبعة الثانية 1958.
بالنسيا، تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة الدكتور حسين مؤنس ، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1955.
وفي هذين الكتابين توجد مراجع عديدة. (1) كتاب التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار (حسب رينان ...
Renan, Averroès ، ص435-437)
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد من أهل قرطبة وقاضي الجماعة بها، يكنى أبا الوليد، روى عن أبيه أبي القاسم استظهر عليه الموطأ حفظا وأخذ يسيرا عن أبي القاسم بن بشكوال وأبي مروان بن مسرة وأبي بكر بن سمحون وأبي جعفر بن عبد العزيز وأجاز له هو وأبو عبد الله المازري.
وأخذ علم الطب من أبي مروان بن حريول البلنسي وكانت الدراية أغلب عليه من الراوية، درس الفقه والأصول وعلم الكلام وغير ذلك، ولم ينشأ بالأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا، وكان - على شرفه - أشد الناس تواضعا وأخفضهم جناحا، عني بالعلم من صغره إلى كبره حتى حكي عنه أنه لم يدع النظر ولا القراءة منذ عقل إلا ليلة وفاة أبيه وليلة بنائه على أهله، وأنه سود في ما صنف وقيد وألف وهذب واختصر نحوا من عشرة آلاف ورقة.
ومال إلى علوم الأوائل فكانت له فيها الإمامة دون أهل عصره، وكان يفزع إلى فتواه في الطب كما يفزع إلى فتواه في الفقه مع الحظ الوافر من الإعراب والآداب، حكى عنه أبو القاسم الطيلسان أنه كان يحفظ شعري: حبيب والمتنبي ويكثر التمثل بهما في مجلسه ويورد ذلك أحسن إيراد، وله تصانيف جليلة الفائدة منها: كتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه، أعطى فيها أسباب الخلاف وعلل فوجه فأفاد وأمتع به ولا يعلم في فنه أنفع منه ولا أحسن مساقا، وكتاب الكليات في الطب، ومختصر المستصفى في الأصول، وكتابه بالعربية الذي وسمه بالضروري وغير ذلك.
وولي قضاء قرطبة بعد أبي محمد بن مغيث فحمدت سيرته وتأثلت له عند الملوك وجاهة عظيمة لم يصرفها في ترفيع حال ولا جمع مال، إنما قصرها على مصالح أهل بلده خاصة ومنافع أهل الأندلس عامة، وقد حدث وسمع منه أبو محمد بن حوط الله وأبو الحسن سهل بن مالك وأبو الربيع بن سالم وأبو بكر بن جهور وأبو القاسم بن الطيلسان وغيرهم وامتحن بآخرة من عمره فاعتقله السلطان وأهانه، ثم عاد فيه إلى أجمل رأيه واستدعاه إلى حضرة مراكش فتوفي بها يوم الخميس التاسع من صفر سنة خمس وتسعين وخمسمائة قبل وفاة المنصور الذي نكبه بشهر أو نحوه ودفن بخارجها، ثم سيق إلى قرطبة فدفن بها مع سلفه رحمه الله، وذكر ابن فرقد أنه توفي بحضرة مراكش بعد النكبة الحادثة عليه المشتهرة في شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وغلط ابن عمر فجعل وفاته تاسع صفر ست وتسعين ومولده سنة عشرين وخمسمائة قبل وفاة جده القاضي أبو الوليد بأشهر. (2) سيرة ابن رشد للأنصاري (حسب رينان ...
Page inconnue
Renan, Averroès ، ص437-447)
عن مخطوط دار الكتب الأهلية في باريس رقم 2156، ق7 ...
1
الحركات فكمدت سوق السعايات، وضرب عن كل طالب ومطلوب، والأعداء كانوا لا يسأمون من الانتظار، ويرقبون أوقات الضرار، فلما كان التلوم من المنصور بمدينة قرطبة، وامتد بها أمد الإقامة، وانبسط الناس لمجالس المذاكرة؛ تجددت للطالبين آمالهم، وقوي تألبهم واسترسالهم، فأدلوا بتلك الألقيات، وأوضحوا ما ارتقبوا فيه من شنيع السوات الماحية لأبي الوليد كثيرا من الحسنات، فقرئت بالمجلس وتدوولت أغراضها ومعانيها ومبانيها، فخرجت بما دلت عليه أسوأ مخرج.
وربما ذيلها مكر الطالبين، فلم يمكن عند اجتماع الملأ إلا المدافعة عن شريعة الإسلام، ثم آثر الخليفة فضيلة الإبقاء، وأغمد السيف التماس جميل الجزاء، وأمر طلبة مجلسه وفقهاء دولته بالحضور بجامع المسلمين وتعريف الملأ بأنه مرق من الدين، وأنه استوجب لعنة الضالين، وأضيف إليه القاضي أبو عبد الله بن إبراهيم الأصولي في هذا الازدحام.
ولف معه في حريق هذا الملام لأشياء أيضا نقمت عليه في مجالس المذاكرة، وفي كلامه مع توالي الأيام، فأحضرا بالمسجد الجامع الأعظم بقرطبة، وتكلم القاضي أبو عبد الله بن مروان فأحسن، وذكر ما معناه أن الأشياء لا بد في كثير منها أن تكون لها جهة نافعة وجهة ضارة كالنار وغيرها، فمتى غلب النافع على الضار عمل بحسبه، ومتى كان الأمر بالضد فبالضد.
فابتدر الكلام الخطيب أبو علي بن حجاج، وعرف الناس بما أمر به من أنهم مرقوا من الدين، وخالفوا عقائد المؤمنين، فنالهم ما شاء الله من الجفاء، وتفرقوا على حكم من يعلم السر وأخفى، ثم أمر أبو الوليد بسكنى اليسانة لقول من قال: إنه ينسب في بني إسرائيل، وإنه لا يعرف له نسبة في قبائل الأندلس
2
وعلى ما جرى عليهم من الخطب، فما للملوك أن يأخذوا إلا بما ظهر، فإليهما تنتهي البراعة في جميع المعارف وكثير ممن انتفع بتدريسهم وتعليمهم وليس في زمانهما من بكمالهما ولا من نسج على منوالهما.
وتفرق تلاميذ أبي الوليد أيدي سبا، ويذكر أن من أسباب نكبته هذه اختصاصه بأبي يحيى أخي المنصور ولي قرطبة، وأخبر عنه أبو الحسن بن قطرال أنه قال: أعظم ما طرأ علي في النكبة أني دخلت أنا وولدي عبد الله مسجدا بقرطبة، وقد حانت صلاة العصر، فثار لنا بعض سفلة العامة فأخرجونا منه، وكتب عن المنصور في هذه القضية كاتبه أبو عبد الله بن عياش كتابا إلى مراكش وغيرها يقول فيما يخص حالهما منه: «وقد كان في سالف الدهر قوم خاضوا في بحور الأوهام، وأقر لهم عوامهم بشغوف عليهم في الأفهام حيث لا داعي يدعو إلا الحي القيوم، ولا حاكم يفصل بين المشكوك فيه والمعلوم، فخلدوا في العالم صحفا ما لها من خلاق مسودة المعاني والأوراق، بعدها من الشريعة بعد المشرقين ومبانيها تباين الثقلين، يوهمون أن العقل ميزانها والحق برهانها، وهم يتشعبون في القضية الواحدة فرقا، ويسيرون فيها شواكل وطرقا.
Page inconnue
ذلكم بأن الله خلقهم للنار، وبعمل أهل النار يعملون؛
ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ، ونشأ منهم في هذه السمتمة البيضاء شياطين إنس
يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ،
يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ، فكانوا عليها أضر من أهل الكتاب وأبعد عن الرجعة إلى الله والمآب؛ لأن الكتابي يجتهد في ضلال ويجد في كلال، وهؤلاء جهدهم التعطيل، وقصارهم التمويه والتخييل، دبت عقاربهم في الآفاق برهة من الزمان إلى أن أطلعنا الله سبحانه منهم على رجال كان الدهر قد منى لهم على شدة حروبهم وأغضى عنهم سنين على كثرة ذنوبهم، وما أملي لهم إلا ليزدادوا إثما، وما أمهلوا إلا ليأخذهم الله الذي لا إله إلا هو، وسع كل شيء علما، وما زلنا - وصل الله كرامتكم - نذكرهم على مقدار ظننا فيهم وندعوهم على بصيرة إلى ما يقديهم إلى الله سبحانه ويدنيهم.
فلما أراد الله فضيحة عمايتهم وكشف غوايتهم وقف لبعضهم على كتب مسطورة في الضلال، موجبة أخذ كتاب صاحبها بالشمال، ظاهرها موشح بكتاب الله، وباطنها مصرح بالإعراض عن الله، لبس الإيمان منها بالظلم، وجيء منها بالحرب الزبون في صورة السلم، مزلة للأقدام، وهم يدب في باطن الإسلام، أسياف أهل الصليب دونها مفلولة، وأيديهم عما يناله هؤلاء مغلولة، فإنهم يوافقون الأمة في ظاهرهم وزيهم ولسانهم، ويخالفونها بباطنهم وغيهم وبهتانهم، فلما وقفنا منهم على ما هو قذى في جفن الدين ونكتة سوداء في صفحة النور المبين نبذناهم في الله نبذ النواة، وأقصيناهم حيث يقصى السفهاء من الغواة، وأبغضناهم في الله كما أنا نحب المؤمنين في الله، وقلنا: اللهم إن دينك هو الحق اليقين وعبادك هم الموصوفون بالمتقين، وهؤلاء قد صدفوا عن آياتك وعميت أبصارهم وبصائرهم عن بيناتك، فباعد أسفارهم وألحق بهم أشياعهم حيث كانوا وأنصارهم.
ولم يكن بينهم إلا قليل وبين الإلجام بالسيف في مجال ألسنتهم والإيقاظ بحده من غفلتهم وسنتهم، ولكنهم وقفوا بموقف الخزي والهون، ثم طردوا عن رحمة الله،
ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ، فاحذروا - وفقكم الله - هذه الشرذمة على الإيمان حذركم من السموم السارية في الأبدان، ومن عثر له على كتاب من كتبهم فجزاؤه النار التي بها يعذب أربابه وإليها يكون مآل مؤلفه وقارئه مآبه، ومتى عثر منهم على مجد في غلوائه عم عن سبيل استقامته واهتدائه فليعاجل فيه بالتثقيف والتعريف،
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ،
أولئك الذين حبطت أعمالهم ،
أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ، والله تعالى يطهر من دنس الملحدين أصقاعكم، ويكتب في صحائف الأبرار تضامركم على الحق واجتماعكم، إنه منعم كريم.
Page inconnue
وحدثني الشيخ أبو الحسن الرعيني - رحمه الله - قراءة عليه ومناولة من يده ونقلته من خطه، قال: وكان قد اتصل - يعني شيخه أبا محمد عبد الكبير - بابن رشد المتفلسف أيام قضائه بقرطبة، وحظي عنده فاستكتبه واستقضاه، وحدثني - رحمه الله - وقد جرى ذكر هذا المتفلسف وما له من الطوام في محادة الشريعة، قال: إن هذا الذي ينسب إليه ما كان يظهر عليه، ولقد كنت أراه يخرج إلى الصلاة وأثر ماء الوضوء على قدميه، وما كدت آخذ عليه فلتة واحدة، وهي عظمى الفلتات، وذلك حين شاع في المشرق والأندلس على ألسنة المنجمة أن ريحا عاتية تهب في يوم كذا وكذا في المدة تهلك الناس، واستفاض ذلك حتى اشتد جزع الناس منه واتخذوا الغيران والأنفاق تحت الأرض توقيا لهذه الريح.
ولما انتشر الحديث بها وطبق البلاد استدعى والي قرطبة إذ ذاك طلبتها وفاوضهم في ذلك، وفيهم ابن رشد - وهو القاضي بقرطبة يومئذ - وابن بندود، فلما انصرفوا من عند الوالي تكلم ابن رشد وابن بندود في شأن هذه الريح من جهة الطبيعة وتأثيرات الكواكب، قال شيخنا أبو محمد عبد الكبير: وكنت حاضرا فقلت له في أثناء المفاوضة: إن صح أمر هذه الريح فهي ثانية الريح التي أهلك الله تعالى بها قوم عاد، إذ لم تعلم ريح بعدها يعم إهلاكها، قال: فانبرى لي ابن رشد ولم يتمالك أن قال: والله وجود عاد ما كان حقا، فكيف سبب هلاكهم؟ فسقط في أيدي الحاضرين وأكبروا هذه الزلة التي لا تصدر إلا عن صريح الكفر والتكذيب لما جاءت به آيات القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقال ابن الزبير: كان من أهل العلم والتفنن، وأخذ الناس منه واعتمدوه إلى أن شاع عنه ما كان الغالب عليه في علومه من اختيار العلوم القديمة والركون إليها وصوب عنانه جملة نحوها حتى لخص كتب أرسطو الفلسفية والمنطقية، واعتمد مذهبه فيما يذكر عنه ويوجد في كتبه، وأخذ ينحي على من خالفه ورام الجمع ين الشريعة والفلسفة، وحاد عن ما عليه أهل السنة فترك الناس الرواية عنه حتى رأيت بشر اسمه متى وقع للقاضي أبي محمد بن حوط إسناد عنه إذ كان قد أخذ عنه وتكلموا فيه بما هو ظاهر من كتبه، وممن جاهده بالمنافرة والمهاجرة: أبو عامر يحيى بن أبي الحسين بن ربيع ونافره جملة، وعلى ذلك كان ابناه: القاضي أبو القاسم وأبو الحسين، ومن الناس من تعامى عن حاله وتأول مرتكبه في انتحاله، والله أعلم بما كان يسره من أعماله، وحسبنا هذا القدر.
وقد كان امتحن على ما نسب إليه وامتحانه مشهور، وقال الحاج أبو الحسين بن جبير فيه وفي نكبته:
الآن قد أيقن ابن رشد
أن تواليفه توالف
يا ظالما نفسه تأمل
هل تجد اليوم من توالف
وله فيه:
لم تلزم الرشد يا ابن رشد
Page inconnue
لما علا في الزمان جدك
وكنت في الدين ذا رياء
ما هكذا كان فيه جدك
وله:
الحمد لله على نصره
لفرقة الحق وأشياعه
كان ابن رشد في مدى غيه
قد وضع الدين بأوضاعه
حتى إذا أوضع في طرقه
توالفه عند إيضاعه
Page inconnue
فالحمد لله على أخذه
وأخذ من كان من أتباعه
وله فيه:
نفذ القضاء بأخذ كل مرمد
متفلسف في دينه متزندق
بالمنطق اشتغلوا فقيل حقيقة
إن البلاء موكل بالمنطق
وله فيه:
خليفة الله أنت حقا
فارق من السعد خير مرقا
Page inconnue
حميتم الدين من عداه
وكل من رام فيه فتقا
أطلعك الله سر قوم
شقوا العصا بالنفاق شقا
تفلسفوا وادعوا علوما
صاحبها في المعاد يشقا
واحتقروا الشرع وازدروه
سفاهة منهم وحمقا
أوسعتهم لعنة وخزيا
وقلت بعدا لهم وسحقا
Page inconnue
فابق لدين الإله كهفا
فإنه ما بقيت يبقا
وله:
خليفة الله دم للدين تحرسه
من العدى شر شر فئة
فالله يجعل عدلا من خلايفه
مطهرا دينه في رأس كل مئة
وله:
بلغت أمير المؤمنين مدى المنا
لأنك بلغتنا ما نؤمل
Page inconnue
قصدت إلى الإسلام تعلي مناره
ومقصدك الأسنى لدى الله يقبل
تداركت دين الله في أخذ فرقة
بمنطقهم كان البلاء الموكل
أثاروا على الدين الحنيفي فتنة
لها نار غي في العقائد تشعل
أقمتهم للناس يبرأ منهم
ووجه الهدى من خزيهم يتهلل
وأوعزت في الأقطار اشتياق إليهم
ولكن مقام الخزي للنفس أقتل
Page inconnue
وآثرت درء الحد عنهم بشبهة
لظاهر إسلام وحكمك أعدل
وله في غير ذلك مما يطول إيراده، ثم عفي عنه، واستدعي إلى مراكش فتوفي بها ليلة الخميس التاسعة من صفر خمس وتسعين وخمسمائة بموافقة عاشر دجنبر، ودفن بجبانة باب تاغروت خارجها ثلاثة أشهر، ثم حمل إلى قرطبة فدفن بها في روضة سلفه بمقبرة ابن عباس، ومولده سنة عشرين وخمسمائة.» (3) عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة
ج2 ص75 وما بعدها
هو القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد مولده ومنشؤه بقرطبة، مشهور بالفضل، معتن بتحصيل العلوم، أوحد في علم الفقه والخلاف، واشتغل على الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق، وكان أيضا متميزا في علم الطب.
وهو جيد التصنيف، حسن المعاني، وله في الطب كتاب الكليات، وقد أجاد في تأليفه، وكان بينه وبين أبي مروان بن زهر مودة، ولما ألف كتابه هذا في الأمور الكلية، قصد من ابن زهر أن يؤلف كتابا في الأمور الجزئية لتكون جملة كتابيهما ككتاب كامل في صناعة الطب؛ ولذلك يقول ابن رشد في آخر كتابه ما هذا نصه: «قال: فهذا هو القول في معالجة جميع أصناف الأمراض بأوجز ما أمكننا وأبينه، وقد بقي علينا من هذا الجزء القول في شفاء عرض عرض من الأعراض الداخلة على عضو عضو من الأعضاء، وهذا وإن لم يكن ضروريا لأنه منطو بالقوة فيما سلف من الأقاويل الكلية ففيه تتميم ما وارتياض؛ لأنا ننزل فيها إلى علاجات الأمراض بحسب عضو عضو، وهي الطريقة التي يسلكها أصحاب الكنانيش حتى تجمع في أقاويلنا هذه إلى الأشياء الكلية الأمور الجزئية، فإن هذه الصناعة أحق صناعة ينزل فيها إلى الأمور الجزئية ما أمكن، إلا أنا نؤخر هذا إلى وقت نكون فيه أشد فراغا لعنايتنا في هذا الوقت بما يهم من غير ذلك.
فمن وقع له هذا الكتاب دون هذا الجزء وأحب أن ينظر بعد ذلك في الكنانيش، فأوفق الكنانيش له الكتاب الملقب بالتيسير الذي ألفه في زماننا هذا أبو مروان بن زهر، وهذا الكتاب سألته أنا إياه وانتسخته فكان ذلك سبيلا إلى خروجه، وهو كما قلنا كتاب الأقاويل الجزئية التي قلت فيه شديد المطابقة للأقاويل الكلية إلا مزج هنالك مع العلاج العلامات وإعطاء الأسباب على عادة أصحاب الكنانيش، ولا حاجة لمن يقرأ كتابنا هذا إلى ذلك، بل يكفيه من ذلك مجرد العلاج فقط، وبالجملة من تحصل له ما كتبناه من الأقاويل الكلية أمكنه أن يقف على الصواب والخطأ من مداواة أصحاب الكنانيش في تفسير العلاج والتركيب.»
حدثني القاضي أبو مروان الباجي، قال: كان القاضي أبو الوليد بن رشد حسن الرأي، ذكيا رث البزة قوي النفس، وكان قد اشتغل بالتعاليم وبالطب على أبي جعفر بن هارون ولازمه مدة، وأخذ عنه كثيرا من العلوم الحكمية، وكان ابن رشد قد قضى في إشبيلية قبل قرطبة، وكان مكينا عند المنصور، وجيها في دولته وكذلك أيضا كان ولده الناصر يحترمه كثيرا.
قال: ولما كان المنصور بقرطبة وهو متوجه إلى غزو ألفنس وذلك عام أحد وتسعين وخمسمائة، استدعى أبا الوليد بن رشد، فلما حضر عنده احترمه احتراما كثيرا، وقربه إليه حتى تعدى به الموضع الذي كان يجلس فيه أبو محمد عبد الواحد بن الشيخ أبي حفص الهنتاتي، صاحب عبد المؤمن، وهو الثالث أو الرابع من العشرة.
وكان هذا أبو محمد عبد الواحد قد صاهره المنصور وزوجه بابنته لعظم منزلته عنده، ورزق عبد الواحد منها ابنا اسمه علي، وهو الآن صاحب إفريقية، فلما قرب المنصور ابن رشد وأجلسه إلى جانبه حادثه ثم خرج من عنده وجماعة الطلبة وكثير من أصحابه ينتظرونه فهنئوه بمنزلته عند المنصور وإقباله عليه، فقال: والله إن هذا ليس مما يستوجب الهناء به، فإن أمير المؤمنين قد قربني دفعة إلى أكثر مما كنت أؤمله فيه أو يصل رجائي إليه.
Page inconnue
وكان جماعة من أعدائه قد شنعوا بأن أمير المؤمنين قد أمر بقتله، فلما خرج سالما أمر بعض خدمه أن يمضي إلى بيته ويقول لهم أن يصنعوا له قطا وفراخ وحمام مسلوقة إلى متى يأتي إليهم، وإنما كان غرضه بذلك تطبيب قلوبهم بعافيته.
ثم المنصور فيما بعد نقم على أبي الوليد بن رشد، وأمر بأن يقيم في اليسانة - وهي بلد قريب من قرطبة وكانت أولا لليهود - وأن لا يخرج منها، ونقم أيضا على جماعة أخر من الفضلاء الأعيان، وأمر أن يكونوا في مواضع أخر، وأظهر أنه فعل بهم ذلك بسبب يدعي فيهم أنهم مشتغلون بالحكمة وعلوم الأوائل، وهؤلاء الجماعة هم: أبو الوليد بن رشد وأبو جعفر الذهبي، والفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم قاضي بجاية، وأبو الربيع الكفيف، وأبو العباس الحافظ الشاعر القرابي، وبقوا مدة، ثم إن جماعة من الأعيان بإشبيلية شهدوا لابن رشد أنه على غير ما نسب إليه، فرضي المنصور عنه وعن سائر الجماعة، وذلك في سنة خمس وتسعين وخمسمائة.
وجعل أبا جعفر الذهبي مزوارا للطلبة ومزوارا للأطباء، وكان يصفه المنصور ويشكره ويقول: إن أبا جعفر الذهبي كالذهب الإبريز الذي لم يزدد في السبك إلا جودة.
قال القاضي أبو مروان: ومما كان في قلب المنصور من ابن رشد أنه كان متى حضر مجلس المنصور وتكلم معه أو بحث عنده في شيء من العلم يخاطب المنصور بأن يقول: تسمع يا أخي ... وأيضا فإن ابن رشد كان قد صنف كتابا في الحيوان وذكر فيه أنواع الحيوان ونعت كل واحد منها، فلما ذكر الزرافة وصفها، ثم قال: وقد رأيت الزرافة عند ملك البربر - يعني المنصور - فلما بلغ ذلك المنصور صعب عليه، وكان أحد الأسباب الموجبة في أنه نقم على ابن رشد وأبعده.
ويقال: إن مما اعتذر به ابن رشد أنه قال: إنما قلت: ملك البرين وإنما تصحفت على القارئ، فقال: ملك البربر.
وكانت وفاة القاضي أبي الوليد بن رشد - رحمه الله - في مراكش أول سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وذلك في أول دولة الناصر، وكان ابن رشد قد عمر عمرا طويلا، وخلف ولدا طبيبا عالما بالصناعة، يقال له: أبو محمد عبد الله، وخلف أيضا أولادا قد اشتغلوا بالفقه واستخدموا في قضاء الكور.
ومن كلام أبي الوليد بن رشد، قال: من اشتغل بعلم التشريح ازداد إيمانا بالله. (4) تاريخ الإسلام للذهبي (حسب رينان ...
Renan, Averroès ، ص456-460)
من مخطوط باريس، المكتبة الأهلية رقم 1582 ق80ظ
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، أبو الوليد القرطبي، حفيد العلامة ابن رشد الفقيه، ولد سنة عشرين قبل وفاة جده أبي الوليد بشهر واحد، وعرض الموطأ على والده أبي القاسم، وأخذ عن أبي مروان بن مسرة وأبي القاسم بن بشكوال وجماعة.
Page inconnue