وتصانيفِ أصحابنا ﵏ في هذا النوع قسمان:
قسم وقع في غاية الإحكام والإتقان، لصدوره (١) ممن جمع الفروع والأصول، وتبحر في علوم (٢) المشروع والمعقول، مثل الكتاب الموسوم بـ "مآخذ الشرائع" والموسوم بكتاب "الجدل" للشيخ الإمام الزاهد رئيس أهل السنة: أبي منصور المتريدي السمرقندي (٣) ﵀" ونحوهما من تصنيف أستاذيه وأصحابه ﵏ (٤).
وقسم وقع في نهاية التحقيق والمعاني، وحسن الترتيب والمباني، لصدوره ممن تصدى لاستخراج الفروع من ظواهر المسموع. غير أنهم لما لم يتمهروا (٥) في دقائق الأصول. في قضايا العقول أفضى رأيهم إلى رأي المخالفين في بعض الفصول.
ثم هجر القسم الأول: إما لتوحش (٦) الألفاظ والمعاني، وإما لقصور الهمم والتواني. واشتهر القسم الآخر (٧)، لميل الفقهاء إلى الفقه المحض، وإن وقع في البعض شوب (٨) المخالفة والنقض. وكلا أن يكون ذلك منهم عن قصد واعتقاد، فظن (٩) السوء في أمثالهم إثم وعناد - لكن إصابة (١٠) التفريع بدون إحكام الأصل، والأمن عن الزلل، خارج عن العقل.
_________
(١) في ب: "بصدوره".
(٢) في ب: "في علم".
(٣) راجع ترجمته في الهامش ٥ ص ط من المقدمة.
(٤) تخرج أبو منصور الماتريدي بأبي نصر العياضي، وتفقة على أبي بكر أحمد الجوزجاني عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن الشيباني (الفوائد ١٩٥. والجواهر، ٢: ١٣٠ - ١٣١).
(٥) في ب: "يمهروا" وكلاهما صحيح. يقال مهر فيه وتمهر فيه حذق فيه (المعجم الوسيط).
(٦) الوحش، بالحاء المهملة، حيوان البر. وبلد وحش قفر. وكل شيء يستوحش عن الناس فهو وحش. ووخش بالخاء المعجمة الرديء من كل شيء ورذال الناس وسقاطهم (القاموس والمصباح). انظر فيما بعد الهامش اص ٢٢.
(٧) في ب: "الأخير".
(٨) في ب: "ثبوت". والثوب ما اختلط بغيره من الأشياء وبخاصة السوائل (المعجم الوسيط).
(٩) كذا في ب. وفي الأصل: "وظن".
(١٠) كذا في ب. وفي الأصل: "إجابة".
1 / 3