L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
تمهيد
غادر خورشيد الإسكندرية في طريقه إلى القاهرة في 17 مارس 1804، فوصل إلى بولاق في 26 مارس ودخل القاهرة في اليوم نفسه، ولكن اعتلاءه منصب الولاية في القاهرة لم يكن معناه أن الأمور قد استقرت نهائيا له؛ لأنه لم يكن قد وصله بعد فرمان الولاية من جهة، ولأن الأخطار كانت لا تزال تتهدد ولايته من جهة أخرى، من ناحية أحمد باشا الجزار ثم خسرو باشا، وقد زالت الصعوبة الأولى عندما جاءه فرمان تثبيت الولاية، وأعلنت مدافع القلعة هذا النبأ رسميا في 28 أبريل، كما زال الخطر من ناحية أحمد الجزار نهائيا عندما توفي هذا الأخير في 9 مايو ووصلت هذه الأخبار إلى القاهرة في 17 مايو، وكانت الإشاعات قبل وفاته لا تزال تروج في القاهرة بأن الجزار متمسك بولايته على مصر، كما أذيع أن قسما من جنده قد وصل فعلا إلى العريش أو الجهات القريبة منها. وأما خسرو باشا فقد أقام في رشيد بعد مغادرته القاهرة بعضا من الوقت ينتظر أوامر الباب العالي بشأنه؛ لأنه كان لا يزال يطمع في باشوية القاهرة، ويمني النفس بتأييد محمد علي والإنكشارية له في مسعاه؛ للأسباب التي سبق ذكرها.
وبذل خسرو - في الحقيقة - قصارى جهده لنيل مآربه، واعتمد في ذلك - خصوصا - على وساطة السفارة الإنجليزية في القسطنطينية، فقد اضطر خسرو لمغادرة رشيد عندما أثار المماليك الاضطرابات بالاتحاد مع البدو والعربان حول القاهرة وفي الوجه البحري بعد انحلال حكومة البكوات، واقترب البدو من رشيد يهددون بالإغارة عليها، فلجأ إلى الإسكندرية منذ 21 مايو، ثم صار يجتمع بالوكيل الإنجليزي «مسيت» ويطلب إليه أن يرجو السفير الإنجليزي بالقسطنطينية أن يستخدم نفوذه لدى الديوان العثماني لإعادة تعيينه واليا على مصر، واستند خسرو في تبرير مطلبه على نفس الأسباب التي كانت مثار اهتمام الحكومة الإنجليزية دائما؛ أي إنشاء الحكومة القوية التي تستطيع رد العدوان الأجنبي عن مصر، فقال: إن خورشيد عاجز عن وضع أية مشاريع واسعة تكفل إخضاع الثوار أو الدفاع عن البلاد، وصرح «لمسيت» بأنه سوف يطلب بمجرد تعيينه لباشوية مصر عند نجاح الإنجليز في وساطتهم جنودا من الإنجليز لوضعهم في حامية الإسكندرية، كما أخذ على عاتقه تموين مالطة المركز الإنجليزي الهام في البحر الأبيض دون إثارة حسد الدول الأوروبية، وتعهد إلى جانب ذلك برعاية المصالح البريطانية في مصر رعاية تامة والخضوع دائما لإرشادات الوكيل الإنجليزي، ولكن كل هذه المساعي ذهبت سدى؛ لأن «مسيت» كان لا يثق به، ولا يقيم وزنا لوعوده، فضلا عن شكوكه الكبيرة في ترجمان خسرو باشا «ستفاناكي»
Stephanaky ، وهو يوناني صاحب ميول فرنسية ظاهرة، ولأن «مسيت» اعتقد أن خسرو إنما يريد عند ظفره بباشوية مصر الاستقلال عن تركيا.
كما اعتقد أن «ماثيو لسبس» - الذي قال عنه منذ 29 مارس: «إنه سمع بنشاط الثورة الأخيرة ضد حكومة البكوات في القاهرة» - ربما يكون قد وعد خسرو باشا أيضا بمساعدة فرنسا له.
وأخيرا كتب «مسيت» في 16 يونيو «أن خسرو بناء على رجاء أصدقائه له بأن يذهب إلى مكان قريب من القسطنطينية؛ قد غادر الإسكندرية صباح اليوم السابق (15 يونيو) ولو أنه كان لا يزال لديه أمل في حدوث ثورة يقوم بها أنصاره للظفر بالنفوذ الأعلى في البلاد؛ ولذلك فقد اكتفى بالذهاب - كما ينوي - إلى رودس حتى يتسنى له الاستفادة في مكانه القريب هذا من أي تغيير يحدث لصالحه في مصر.»
وكان خسرو لا يزال يعتمد على مساعي «مسيت» نفسه في القاهرة، ثم السفير الإنجليزي في القسطنطينية، لتأييد دعاواه في باشوية مصر، وذلك فضلا عن اعتماده على مناصريه في القاهرة ذاتها محمد علي والإنكشارية، الذين توهم خسرو - على ما يبدو - أنهم يعملون لصالحه، ومع أن خسرو كان يتوقع كل معارضة من خورشيد وإخوة طاهر باشا وأقربائه؛ فقد كان من رأيه أن سوء الأحوال في مصر سوف يحمل الباب العالي في النهاية على إجابة مطلبه.
وقد لخص «ماثيو لسبس» رأي خسرو باشا عن الأوضاع السائدة في مصر عندما كتب إلى حكومته منذ 21 مايو: «أن خسرو الذي وصل إلى الإسكندرية يرى أن الأحوال في مصر قد بلغت درجة من السوء والخطورة تجعلها ميئسة تماما إذا لم يبادر الباب العالي بإرسال نجدات إليها بكل سرعة؛ فالقاهرة يحاصرها «المماليك»، وسلطة خورشيد باشا ضعيفة ومزعزعة، ومعظم البلاد في قبضة المماليك الذين يؤازرهم العربان، ولا يجرؤ الأرنئود على الخروج من القاهرة، ولا يزال الألفي ممتنعا عن إعلان موقفه بالرغم من محاولات خورشيد لجذبه إلى جانبه ضد إخوانه وتواجه دمياط متاعب كثيرة، وأنه؛ أي خسرو يرى أخيرا أن المماليك والبدو هم أصحاب السيطرة وأن الاضطرابات تسود البلاد.»
على أن صدور فرمان الولاية لخورشيد، ووفاة أحمد الجزار، ومغادرة خسرو البلاد لم ينه الصعوبات التي اكتنفت باشوية أحمد خورشيد وهددت كيان هذه الباشوية من البداية، ومنشأ هذه الصعوبات استمرار مقاومة المماليك وإصرارهم على الظفر بحكومة القاهرة ودعم سلطانهم في سائر أنحاء البلاد ووجود الأرنئود، وبقاء الحاجة إليهم لقتال المماليك، ثم موقف محمد علي من حكومة خورشيد، وكان قتال المماليك والقضاء عليهم، المسألة التي اهتم بها الباب العالي اهتماما بالغا، ولم يكن هناك مناص من قتالهم وإخضاعهم لسلطان الباب العالي إذا شاء أحمد خورشيد كسب رضاه، وتثبيت ولايته هو من جهة، ثم دعم أركان هذه الولاية من جهة أخرى بالتغلب على القوة العسكرية التي ظلت مصممة على مقاومته ومنازعته السلطة في البلاد، ولكنه - حتى يتمكن من هزيمتهم وإخضاعهم - لم يكن هناك مناص كذلك من اعتماده على قوات الأرنئود، وكان الاعتماد على هؤلاء مبعث متاعب عديدة؛ لأنه من المتعذر إخراجهم لقتال المماليك من غير أن تدفع لهم مرتباتهم، بينما حضر خورشيد إلى القاهرة وهو خالي الوفاض، وخلت الخزانة العامة من المال، كما أنه لم تكن هناك قوات أخرى يمكنه الاستعاضة بها عن الأرنئود ووجب - علاوة على ذلك - أن يستوثق خورشيد من موقف زعماء هؤلاء الأرنئود من حكومته وخصوصا محمد علي.
فقد كان بتشاور الزعماء الأرنئود وكبار ضباط الجند فيما بينهم أن تقرر اختيار خورشيد للولاية بدلا من خسرو، ومع أن «محمد علي» كان على تفاهم سابق مع خورشيد - على نحو ما أوضحنا - فقد استمر يظهر انحيازه إلى الإنكشارية ويتظاهر بالميل لتأييد خسرو، ولو أنه تخلى عنه في اللحظة الأخيرة، وكان من أغراض هذه المظاهرة أن يزيد اقتناع خورشيد بأنه من المتعذر أن تستقيم الأمور في صالحه إذا تنحى الأرنئود أو بالأحرى كبير زعمائهم محمد علي عن تعضيده؛ ولذلك فقد عجز التفاهم الذي أفضى إلى تنصيب خورشيد عن إشاعة الطمأنينة والثقة في نفسه من ناحية الأرنئود أو محمد علي، وأدرك خورشيد من أول الأمر أنه لا مفر من التخلص من هؤلاء الأرنئود ومحمد علي إذا أراد استقرار باشويته في مصر.
Page inconnue