L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
فقد استطاع محمد علي عند وصوله إلى طرة استمالة رؤساء الدلاة بإهدائهم الهدايا الثمينة وكسوة الفرو، وأقنعهم بأنه هو وزميله لم يكونا ثائرين على الباشا، بل حضرا لمطالبته بالمرتبات المستحقة لهما وللجند والتي رفض أن يدفعها لهم، وأنه لا ضرر يقينا من المطالبة بهذه المرتبات، وبفضل هذا المنطق الذي أقر استقامته الدلاة الذين خشوا أن يحرمهم خورشيد في المستقبل من مرتباتهم كذلك أسوة بما يفعله مع الأرنئود؛ تمكن محمد علي من الدخول إلى طرة، ثم السير بعد ذلك إلى القاهرة ومعه الدلاة أنفسهم فدخلها في أمان في 19 أبريل.
ومنذ دخول محمد علي القاهرة بدأ النضال الجدي بينه وبين خورشيد، وهو نضال تضافرت عوامل عدة لجعل كفة محمد علي هي الراجحة في أثنائه، أهمها ما صار يرتكبه الدلاة من اعتداءات فظيعة على القاهريين كاقتحام بيوتهم واغتصاب نسائهم وقتلهن بعد هتك أعراضهن، واختطاف الأطفال، عدا حوادث السلب والنهب. حتى ضج القاهريون بالشكوى إلى مشايخهم منهم، ونقموا على خورشيد بسبب ذلك نقمة عظيمة، أضف إلى ذلك ما أبداه محمد علي من مهارة كبيرة في كسب صداقة المشايخ والعلماء والسيد عمر مكرم وتوثيق علاقته بهم.
واسترشد الشعب بغرائزه الصحيحة دائما والتي جعلته يرى في محمد علي سيد الغد وإن كان خورشيد صاحب الحكم اليوم، فانفض الناس من حول خورشيد بينما قصدوا - من مختلف الطبقات - إلى بيت محمد علي يشكون إلى الرجل الذي واساهم في محنهم الماضية أيام حكومة البكوات المماليك خصوصا ما يلاقونه من عنت وإرهاق، وما حل بهم من نكبات وكوارث على أيدي هؤلاء الدلاة الذين جلبهم خورشيد، ويتشاور المشايخ والرؤساء الشعبيون معه في أجدى الوسائل لعلاج هذه الحالة النكدة علاجا حاسما سريعا، وإنهاء البؤس الذي حل بساحتهم، وهكذا كان «الدلاة» معول هدم قوض به خورشيد باشويته من حيث كان يرجو دعم أركانها، كما انقلبت القوة الشعبية سيفا مسلطا على عنقه من حيث كان يرجو الاعتماد عليها في إقصاء محمد علي والقضاء عليه.
وكان المشايخ والعلماء هم قادة الشعب الطبيعيين في نظام اجتماعي وسياسي فرق بين الطبقتين الحاكمة والمحكومة، فتألفت الطبقة الحاكمة من العثمانلي وعلى رأس هؤلاء الباشا العثماني، وهم يمثلون صاحب السيادة الشرعية على البلاد، ويعتمدون في هذا التمثيل على أجناد من الإنكشارية والأرنئود والكرد ونظرائهم ممن كانوا جميعا غرباء عن البلاد ويسيئون معاملة أهلها.
كما تألفت هذه الطبقة الحاكمة كذلك من المماليك الذين استبدوا بالسلطة الفعلية وأقاموا في البلاد طغيانا عنصريا فصل بينهم وبين الشعب وأخضعه لمظالمهم، وأما الطبقة المحكومة فقد تألفت من سواد المصريين؛ أي من أولئك الذين نشدوا العزاء والسلوى في راحتهم الروحية، يبعثون شكواهم إلى رؤسائهم الدينيين، ويطلبون منهم النصح والإرشاد، ويتخذون منهم وكلاء يوسطونهم لدى السلطات القائمة من العثمانلي والمماليك على حد سواء لرفع المظالم عنهم، فصار للمشايخ والعلماء نفوذ ومكانة بين أفراد الشعب، وصار في وسعهم توجيههم وتحريكهم.
ولا جدال في أن استناد محمد علي على مؤازرة الشعب بمشايخه وعلمائه ورؤسائه كان العامل الحاسم في الشهور القليلة التالية؛ ليس في نجاحه على غريمه خورشيد فحسب، بل في وصوله كذلك إلى منصب الولاية؛ وذلك لأن الاعتماد على الشعب أو القاهريين جعله يطمئن إلى وجود قوة إلى جانبه من الممكن تسليحها وقت الحاجة بل وكانت مسلحة فعلا، وكان لا مناص من وجود هذه القوة الشعبية المسلحة إلى جانبه في وقت انحاز فيه بعض الرؤساء الأرنئود إلى خورشيد باشا، وهو أرنئودي سهل عليه أن يجد مناصرين له من بين أبناء جلدته كعمر بك وطاهر بك ثم صالح قوش الذي أعطاه قيادة القلعة - كما تقدم - حتى يؤثر بنفوذه على حاميتها من الجند الأرنئود.
زد على ذلك أن حسن باشا زميل محمد علي، الذي حضر معه من المنيا، وآزره في كل خطواته السابقة؛ كان لا يزال يعتبر في هذه المرحلة منافسا خطيرا له، ومن المعروف أن الأرنئود هم القوة العاملة مع محمد علي.
زد على ذلك أيضا قيام الدليل في أثناء الحوادث الماضية على أن القاهريين كانوا من عناصر المقاومة الشديدة في وجه حكومة البكوات، وقد أعانت ثورتهم على طغيان البكوات «محمد علي» على طرد هؤلاء من القاهرة، وفي وسعه لذلك أن يفيد من سخطهم على حكومة خورشيد باشا التي أرهقتهم بالمظالم والمغارم وسلطت عليهم سوط عذابها باستقدامها الدلاة المجانين لتقويض عروش حكومة خورشيد نفسه، كما أن في وسعه بفضل استناده على القوة الشعبية؛ أن يضع الباب العالي أمام الأمر الواقع إذا تسنى له النجاح في نضاله مع خورشيد والظفر بالولاية.
ولم يكن هناك أي شك في أن «محمد علي» إنما يبغي من نضاله مع خورشيد منذ أن دخل القاهرة بعد عودته من المنيا؛ خلعه من الولاية والظفر بها لنفسه، بل إن هذه النوايا لم تعد أمرا مكتوما على القاهريين أنفسهم، فقال الجبرتي في حوادث «19 أبريل»؛ أي يوم وصول محمد علي وذهابه إلى بيته بالأزبكية «وأخذ محمد علي في التدبير على أحمد باشا وخلعه»، وعلاوة على ذلك فإن مؤازرة الشعب له في تحقيق أغراضه سوف تفوت الفرصة على الإنجليز والفرنسيين الذين بذل وكلاؤهم في القاهرة وسفراؤهم في القسطنطينية قصارى جهدهم لمؤازرة طوائف المماليك الموالية لهم.
وأما حقيقة ذلك كله، فتتضح من تتبع الحوادث التي وقعت متلاحقة في إثر بعضها بعضا وبسرعة كبيرة منذ دخول محمد علي القاهرة في 19 أبريل حتى مناداة القاهريين بولايته في 12 مايو 1805.
Page inconnue