L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
ولكنه في اليوم الذي استولى فيه الأرنئود على المنيا (15 مارس) وصلتهم الأخبار من القاهرة بأن حوالي ثلاثة آلاف من الدلاة قد وصلوا إلى القاهرة، وأنه سوف يتبع هؤلاء الفرسان «المجانين» جماعة أخرى ، ومن المنتظر كذلك أن تأتي إلى مصر قوات من المشاة والمدفعية، وظهر كأنما الباب العالي يريد من إرسال هذه النجدات إلى خورشيد الاستئثار بالسلطة في مصر وتحطيم قوة الأرنئود، فكان لهذه الأخبار أسوأ الأثر في نفوس الأرنئود عامة ومحمد علي وحسن باشا خاصة، وقرر الأخيران ألا يتركا لخورشيد الوقت الذي يكفيه لتنظيم هؤلاء الجنود والتقوي بهم، فغادرا المنيا بسرعة في 10 أبريل على رأس 3500 مقاتل، وفي 14 أبريل 1805 بلغا طرة، ومن ذلك الحين بدأ النضال السافر بين محمد علي وخورشيد باشا على الولاية في مصر.
النضال بين خورشيد ومحمد علي
فقد أتاح غياب محمد علي الطويل مع الزعماء والجند الأرنئود في الصعيد الفرصة لخورشيد لتدبير ذلك الانقلاب الذي ظل يمني به النفس من وقت حصار القاهرة، ومنذ أن سعى في استصدار فرمان بنقل محمد علي من مصر، ولم يسفر مسعاه عن أية نتيجة، فصار يلح على الباب العالي في طلب نجدة من الدلاة لتعزيز باشويته بوصفه ممثل السلطان الشرعي في البلاد الذي يبغي دعم سيطرة الباب العالي وبسط نفوذه الفعلي في مصر.
ولما كان الباب العالي قد صار قلقا من مدة طويلة من ناحية الأرنئود، وأخفقت محاولاته في إقناعهم بمغادرة البلاد ولم يفد العفو الذي أصدره عنهم في استمالتهم للعودة إلى أوطانهم، فقد تشكك في ولائهم، وأراد لذلك أن ينشئ في مصر قوة تكون بمثابة ثقل يوازن به كفتهم أولا، وحتى يتمكن من تخليص البلاد منهم في النهاية؛ ولذلك فقد استجاب لرغبة خورشيد، وأصدر أوامره إلى هؤلاء «الدلاة» للتجمع من كل أنحاء الإمبراطورية ومن الأناضول في طرف الشام الغربي، حتى إذا احتشدت منهم قوات كافية سيرهم إلى مصر، فدخلوا القاهرة في 29 فبراير 1805، ونزلوا في مصر القديمة، وفي القرى المجاورة، وأثار مجيئهم مخاوف محمد علي الذي أوقف عملياته العسكرية في الصعيد، وأسرع في الحضور إلى القاهرة.
وقد كتب «مسيت» إلى حكومته في 28 أبريل يعلق على ذلك كله بقوله: «إنه يبدو أن الباب العالي الذي اعتبر ولاء الأرنئود له أمرا مشكوكا فيه، وغير ثابت ؛ قد قرر القضاء عليهم بمجرد أن يتمكنوا مشتركين مع الجند العثمانلي من إخضاع المماليك، ولكن «محمد علي» علم بهذه النوايا مبكرا، واستطاع بفضل نشاطه وعمله أن يعطل وقتا ما على الأقل هذه المشروعات التي تدبرها ضده وضد أنصاره الوزارة العثمانية، فقد غادر المنيا لتحقيق غرض ظاهر هو طرد أعدائه من مصر بقوة السلاح أو كسبهم لمؤازرته وتأييد مصالحه.»
وانزعج خورشيد انزعاجا كبيرا عندما بلغه أن «محمد علي» و«حسن باشا» قد غادرا مع جندهما المنيا في طريقهما إلى القاهرة، وذلك قبل أن تتاح له الفرصة الكافية لتهيئة «الدلاة» وتنظيمهم ووثوقه من ولائهم له.
ولما كان امتلاك القاهرة يؤثر تأثيرا حاسما على مصير النضال المنتظر بينه وبين محمد علي؛ فقد أراد خورشيد أن يضمن انحياز القاهريين ومشايخهم ورؤسائهم إلى جانبه، بأن يجعلهم حكما بينه وبين محمد علي وسائر زعماء الأرنئود؛ إذ توقع أن يجذبهم إلى تأييد قضيته ما سوف يسببه لهم من شعور بازدياد مكانتهم وارتفاع شأنهم اشتراكهم في هذا النضال، فطلب في 10 أبريل المشايخ والسيد عمر مكرم والوجاقلية «وأرباب الديوان»، وأبلغهم نبأ تقهقر الأرنئود الفجائي وانسحابهم من ميدان القتال، وهو انسحاب حدث - كما قال - ضد أوامره، ومن شأنه أن يضع مصر تحت رحمة المماليك والعربان، ويجعل من العاصمة ميدانا للفوضى واختلال النظام لعدم رضوخ الأرنئود للطاعة، وشراستهم وخبث طويتهم، كما أنه لم يكن هناك أي مسوغ لعدم إذعانهم؛ لا سيما وقد رفضوا الذهاب لقتال الوهابيين بعد أن أذن الباب العالي بإعطاء زعمائهم كل ما يريدونه من مراتب الشرف لقاء ذلك، «فهم لا يريدون قتال البكوات، ولا يريدون ترك مصر، فماذا تكون يا ترى أغراضهم؟! لا شك في أن خراب البلاد هو كل مقصدهم.»
وذكر الشيخ الجبرتي عند تسجيل ما حدث أن خورشيد قال في هذا الاجتماع: «إن «محمد علي وحسن باشا» راجعان من قبلي من غير إذن وطالبان شرا، فإما أن يرجعا من حيث أتيا ويقاتلا المماليك، وإما أن يذهبا إلى بلادهما أو أعطيهما ولايات ومناصب في غير أراضي مصر ، ومعي أمر من السلطان وكيل مفوض ودستور مكرم، أعزل من أشاء وأولي من أشاء وأعطي من أشاء وأمنع من أشاء.»
وطلب خورشيد منهم مساعدته بنفوذهم ومشورتهم، ووافق المجتمعون على أن تتألف لجنة من شيخين واثنين من الوجاقلية، تتجدد كل يوم وتلازم الباشا، ولكن هذه الموافقة لم تكن بمحض اختيارهم، كما كان مقترح هذا الترتيب خورشيد باشا نفسه؛ لتشككه في نوايا المشايخ، ولعدم وثوقه بهم، فقد ذكر دروفتي في رسالته إلى تاليران من الإسكندرية في 16 أبريل 1805 «أنه لما كان الباشا يجهل موقف الأهالي في الظروف القائمة، وغير متأكد من تأييدهم له، فقد أخذ من بينهم رهائن لضمان استقرار الهدوء، الشيخين: عبد الله الشرقاوي وسليمان الفيومي»، ثم أرسل خورشيد «الدلاة» إلى الجيزة وإلى طرة وأخذوا مدافع وجبخانة؛ استعدادا لملاقاة محمد علي وحسن باشا، وعهد خورشيد بالدفاع عن القلعة إلى صالح قوش.
ولكن هذه الاحتياطات لم تلبث أن انهارت في إثر بعضها بعضا.
Page inconnue