De la transmission à la création
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
Genres
ومن الموروث يتصدر الفارابي ثم ابن سينا؛ فالشارح أكبر من المشروح؛ ومن ثم يكون هذا المقال أقرب إلى تنظير الموروث قبل تمثل الوافد بفارق ضئيل. يئول الفارابي الكليات ويجعلها ضربين كمذهب ثان في مقابل المذهب الأول، والمذهب الثالث هو تأويل ابن سينا. ويجمع ابن رشد بين التأويلات الثلاثة، القديم والفارابي وابن سينا، ليفصل بينهما كما يفعل القاضي بين المتخاصمين، حتى لو اضطره ذلك إلى الدفاع عن ابن سينا بعد اكتشافه خلل الفارابي. وتأويل ابن سينا هو اعتبار المقول على الكل محمولا لا على كثيرين؛ وبالتالي يكون مفهوم القول على ضربين، الأول يشير إلى الموضوعات ذاتها، والثاني ليس في موضوع. كما يئول ابن رشد أرسطو عن طريق الخلف. لو أراد الشراح ما قاله أرسطو لذهب مذهب أبي نصر مفسرا الأصل باستحالة الفرع. ومناهج هذه القراءات المتداخلة والمتراكمة أهم من موضوعاتها؛ فالأزمة والحل في المنهج أكثر منها في الموضوع. وكما يبدأ المقال بالبسملة، وطلب العون من الله، والصلاة والسلام على محمد وآله، ينتهي بالدعوة إلى الله بالتوفيق. (ك) وفي «المقاييس الممكنة» يذكر الحكيم وأرسطو ثم ثامسطيوس. فالرمز له الأولوية على الشخص، والشارح يعادل المشروح. ويحال إلى كتاب السفسطة لأرسطو.
99
وابن رشد كالعادة ضد ثامسطيوس ومع أرسطو؛ فلما احتج ثامسطيوس على أرسطو مسيئا تأويله وعدم فهم موضعه، أظهر ابن رشد حجج أرسطو ضد شراحه اليونان والمسلمين؛ فبيان أرسطو كلي توهمه ثامسطيوس جزئيا، وكذلك شك الفارابي، ودون أن يحل شكه في قول أرسطو بأنه لا يكون قياس من ممكنتين في الشكل الثاني. ويتم الانتقال من الشخص إلى اللقب، ومن أرسطو إلى الحكيم. يخالف ثامسطيوس الحكيم في المقاييس الممكنة الصرفة في موضعين؛ الأول أن القياس الذي يتكون من مقدمتين سالبة وموجبة لا ينتج ممكنة سالبة ولا موجبة في رأي الحكيم، وللحكيم حجة في الإنتاج أو عدمه لهذا الشكل أو ذلك في هذه المادة أو تلك، مرة سالبة ضرورية، ومرة موجبة ضرورية. الحكيم هنا رمز للحقيقة، للأشياء ذاتها، والبرهان العقل. والحكيم يقظ ومنتبه وذكي، لا يرد عليه إلا من كان في منزلته من اليقظة والانتباه والذكاء، وكل رد عليه ممن هو أقل منه يكشف صحة أقوال الحكيم وخطأ أقوال نقاده؛ لأن أقوال الحكيم تتفق مع مجرى الطبع والعادة، بالإضافة إلى ما تقتضيه طبيعة البرهان. يعرض ابن رشد الموضوع الخلافي، ويتحقق من صدق الخصمين، ثم الانتصار لأرسطو دون الشراح، للأصل دون الفرع، حتى ولو كانت موضوعات الخصومة نظرية وليست عملية كما هو الحال في الفقه. وكثيرا ما تنتهي دراسة ابن رشد لننفس الموضوع الخلافي إلى نفس النتائج التي توصل إليها الحكيم نظرا لاتفاق الوحي والعقل والطبيعة. وقد خالف ثامسطيوس الحكيم في توهمه أن البيان الذي استعمله أرسطو جزئيا وليس كليا، وأرسطو بريء من هذا الاتهام. وثامسطيوس يعانده باحتجاجات لا تقنع. كان لدى القدماء صناعات غير برهانية مثل صناعة النحر والذبائح. يمثل القدماء مرحلة التفكير غير البرهاني، ولا فرق بين قدماء المشائين ومتأخريهم. ويحيل ابن رشد إلى السفسطة والخطابة دون تحديد هل يشيران إلى الكتاب أم إلى العلمين.
وفي الموروث يتصدر أبو النصر؛ فهو وحده الشارح وليس ابن سينا، ويحال إلى شرح القياس له أيضا، ويعادل الشارح الإسلامي أبو النصر الشارح اليوناني، بل والمشروح نفسه.
100
وقد أجاب أبو نصر على شك ثامسطيوس في المقاييس الممكنة في الشكلين الأول والثاني، ولكنه لم يجب على شك آخر أجاب عنه ابن رشد الذي يستمر في عملية التطهير التي بدأها الفارابي. وقد أجاب الفارابي بأن المقدمات الممكنة على التساوي يمكن استعمالها في الخطابة ، في حين أنه في الجدل قد يسأل سائل عن مقدمات سالبة أقلية، فإن سلم بها الخصم تتغلب عليه إذا ما تحولت إلى الأكثرية، وهي شبيهة بقياس الأولى عند الأصوليين. كما يبحث ابن رشد عن السبب كأصولي يبحث عن العلل، ويعد حجج العناد، ويبين أخطاء هذا الرجل وذاك، يونانيا مثل ثامسطيوس، أو إسلاميا مثل ابن سينا، وما وقعا فيه من تخليط وتشويش. وابن رشد هو الذي يقول، وليس أرسطو وحده. ويظهر العلم الإلهي كعامل محدد وللعلم الطبيعي، فإذا كان الممكن الأكثري معلوما بنفسه بفعل الأكثرية في مقدماته، فإن الممكن الأقلي يمكن أيضا أن يكون معلوما بنفسه اعتمادا على مقدمات أقلية، أو استنادا إلى معلوم بنفسه مثل العلم الإلهي الذي يعتمد على الأقل من الآيات الطبيعية لإتيان الأكثر وهو الله؛ فالممكن الأقلي يؤدي إلى الضروري الأكثري. وهنا يبدو أيضا أن المنطق إلهيات، منطق عقلي في الخارج، كما أن الإلهيات منطق عقلي في الداخل، كما أن الطبيعيات إلهيات مقلوبة إلى أعلى، والإلهيات طبيعيات مقلوبة إلى أسفل. هناك علم واحد، نسق واحد يظهر في الوحي والعقل والطبيعة، في المنطق والطبيعيات والإلهيات. (ل) وفي «القول محمولات البراهين» يتصدر أرسطو والحكيم تحولا من الشخص إلى الرمز، ويغيب الشراح اليونان الثلاث. ويحال إلى البرهان لأرسطو.
101
يعيد ابن رشد عرض منطق أرسطو بمصطلحات الأصول؛ فقد أعطى أرسطو في أول كتاب البرهان السبارات التي تسير بها المحمولات، والسبر مصطلح أصولي؛ أي التعرف على مواطن التعليل في منهج السبر والتقسيم. ويشرح ابن رشد أقوال الحكيم للشراح بتحليل الأمر في نفسه ورؤية الأشياء ذاتها إذا ما سأله أحد على طريقة أحكام السؤال والجواب، والمفتي والمستفتي في علم الأصول مثل السؤال حول اشتراط الحكيم في البراهين أن تكون محمولاتها أولية، أو قوله إن المحمولات في أكثر الأمر أعم من الموضوعات. ويستدل ابن رشد من المقدمات على النتائج، ويبحث عن العلل والأسباب كأصولي يبحث عن العلل، وهو ما يربط النتائج بالمقدمات كالحدود الوسطى في الأقيسة. وابن رشد هو الذي يقول أيضا، وليس أرسطو وحده. كما يحيل إلى كتبه، مثل البرهان والمسائل المنطقية؛ مما يدل على وحدة الرؤية ودخول الأجزاء في كل واحد.
ومن الموروث يتصدر أبو النصر وحده معادلا لأرسطو.
102
Page inconnue