لا أشك في أنك تريدين كرما ومروءة، أن تحملي معنا أثقال ومسئولية الانتخاب، فيا هلا، وألف هلا! آجرك الرب من فوق، فما أعظم غيرتك وأكبر مروءتك! إني لواثق بأنك ستبرزين في هذا المضمار، وتسبقين سبعين بالمائة من الرجال في ذلك اليوم الحامي أتونه، اليوم الوحيد الذي تكون فيه الناس سواسية كأسنان المشط ... وتسقط أسوار أريحا الأرستقراطية، من الساعة الثامنة إلى الساعة الرابعة، ثم لا تغيب شمس ذلك النهار حتى تعود المياه إلى مجاريها، فيرجع امتياز الأمير إلى الأمير ويعود سائق الحمير سائق حمير.
عفوا، كلا الاثنين سائق حمير، الزعيم يسوق حميرا تنطق، وهذاك يسوق حميرا تنهق!
تراءت لي - يا أختي - تلك الساعة التي ترتفع فيها أسعار بني آدم دون بناته، فتخيلت زعيمة نهضتكن الآنسة ابتهاج قدورة جالسة على مكتبها في ذلك اليوم تتصفح نظم الجمعيات النسائية العالمية لتقتطف لكن أشهى ثمارها ، بينما يذهب جارها الفران وتلميذه ليتوليا عنها اختيار عبقريين يشاركون غدا في البحث عن أقرب الطرق إلى تعزيز استقلال الوطن.
وكأني أرى بعيني الواعية السيدة سلمى صائغ قابعة في بيتها تقلب أوراقها قديمة وجديدة، وجارها الأمي يركض لينتخب لنا بضعة رجال يركبون على ظهر الأمة ولا يتحلحلون، أربع سنوات فقط ...
وتمثلت السيدة إميلي فارس إبراهيم منزوية واجمة؛ همها في ذلك اليوم أن تعد محاضرة بليغة، موضوعها النساء اللواتي سسن العالم، بينما غلمان اللحام والبقال والسمان الذين ينقلون إليها كل صباح حوائج بيتها يتسابقون، وفي أيديهم الشهادات بالأمية، لينتخبوا للوطن نائبا لا يباع ولا يشرى.
وفي تلك الساعة المرة تكون الآنسة عفيفة صعب قعيدة غرفتها، وفلان يهرول إلى الصندوقة ليلقي فيها لائحة - عفوا، قائمة لحم - لم يقرأها لأنه لا يعرف الكوع من البوع.
أليس من المضحك المؤلم أن ينتخب المكاري والمعاز والبقار والحمار، والبغال، والعتال، وتحرم الدكتورات، والمحاميات، والكاتبات، والشاعرات، والمعلمات، والراهبات، حق الانتخاب! والسبب كما قال شيخنا الشدياق في ذلك الزمان - حين نادى مطالبا بحقك - لأنه الذكر وهي الأنثى، وهو أفضل منها قنسا، وأكرم جنسا.
فإذا كانوا في بعض دول العالم - إذا لم تخني الذاكرة - ينظرون إلى الرأس قبل غيره، فيميزون بين الرجال، فيكون رأس نابغتهم بعشرة رءوس، أفلا نساوي نحن في هذا - حق الانتخاب - بين الأنثى المثقفة والذكر الأبله! لأنه الذكر وهي الأنثى ...
تطلب المرأة أن تنتخب - بالكسر - وأنا أطلب أن تعطى هذا الحق بالفتح أيضا.
لقد جربنا رجالا كثيرين وما أفلحوا فما علينا لو جربنا النساء!
Page inconnue