الزواج، والبيت، والأسرة!
ما أجمل هذه الأسماء وألطف موقعها من قلب كل فتاة! ولكن ما بال هدى تحس حين تسمعها الساعة كأنما تخزها وخز السنان، فما تطرق أذنها إلا فارغة من معناها أو معدولا بها عنه، فليس لها في نفسها إلا معاني القلق والوحشة والحرمان!
أتراها وقد بلغت هذه السن لم تفكر في الزواج والبيت والأسرة قبل اليوم؟ بلى، ولكن ... لو أن أحدا غير أبيها وأمها ألقى إليها هذه الكلمات من قبل لكان لها معنى حقيق بأن يسرها ويملأها سعادة ومرحا؛ أعني لو أنه هو ... ولكن، أين هو؟ وهل يدري ...؟
وطارت خواطرها سريعة إلى «ماجد»، وتمثلته جالسا مجلسه ينتظرها لموعدهما الذي طالما التقيا فيه منذ سنوات ... يتلفت ويمد عينيه يتنورها قادمة من بعيد، فيلقاها مبتسما ويبسط لها يمينه!
آه! ماذا تراه يفعل حين يبلغه النبأ فيعرف أن هدى لن توافيه لموعده منذ اليوم، ولن تلقاه، ولن يراها؛ لأن حياة جديدة قد باعدت بينهما فلا سبيل إلى اللقاء؟
ورانت على عينيها غشاوة من الدمع، وتدحرجت على خدها عبرة، وانمحى خياله من خيالها، ورأته - كما نظرته في مرآة نفسها - عابسا مقطبا، في جبينه ذلة المخذول، وفي عينيه ذبول السهر ولهفة الحرمان!
وغلبتها نفسها فأرسلت عينيها وأطرقت وأصابعها تعبث بمنديل في يدها قد بللته الدموع!
ورن جرس المسرة، فهبت واقفة كأنها من رنين الجرس على ميعاد، ثم ذكرت موقفها هذا الجديد، فقمعت في صدرها رغبة تختلج وعادت إلى مجلسها. لا ينبغي أن يسمع ماجد صوتها في المسرة بعد اليوم!
لم يحسب ماجد وهدى حسابا لهذا اليوم من قبل، ولم يدر في خاطر واحد منهما لحظة أن هذه الساعة آتية. لقد كانا من الحب في سكرة ذاهلة لا تدع لهما سبيلا إلى الفكر والتدبير وتوقع ما لم يقع بعد ... وفجأة تغير الموقف وكان ما لا بد أن يكون، وطرق الباب طارق مجهول يطلب يد هدى ... ... وسأل أبوها وتقصى أمره، فرضيه لفتاته، ولكنه تلبث حتى يسمع رأيها، وسألها فلم تجب، وفزعت إلى خلوتها تتدبر أمرها وتزن ماضيها وحاضرها وتبكي ...
أكانت تبكي حبا لماجد أم شفقة عليه؟ من يدري؟ ولكنها ظلت تبكي، وماذا تملك أن تفعل غير البكاء؟
Page inconnue