270

De la conversation de l'âme

من حديث النفس

Maison d'édition

دار المنارة للنشر والتوزيع

Numéro d'édition

الثامنة

Année de publication

١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م

Lieu d'édition

جدة - المملكة العربية السعودية

Genres

ونظرت فإذا المقاييس كلها تتبدل ساعة الموت، وإذا كل ما كنت أحبه وأنازع عليه قد صار عدمًا! وإذا أنا لم آخذ معي شيئًا؛ بنيت دارًا فما حملت معي منها حجرًا، واقتنيت مالًا فما كان لي منه إلاّ ما ظننت من قبل أني خسرته، وهو ما أخرجته لله، وكتبت آلافًا من المقالات في عشرات من السنين، وكان لي من القراء والمستمعين ملايين وملايين، فما نفعني إلاّ كلمة قلتها لوجه الله، وأين هي؟ لقد تركني هؤلاء المعجبون (كما يقولون) بأدبي وبياني أموت الآن وحدي، ما جاء واحد منهم ليأخذ بيدي وما أقبلَ واحدٌ منهم يدفع الموت عني!
وعرفت لذائذ الحياة كلها، فما الذي بقي في يدي وأنا أموت غرقًا من لذائذ الحياة كلها؟ وما الذي استبدلته بالعمل الصالح (١) الذي لا أرجو النجاة الآن إلاّ به؟
لقد كان إبليس يشغلني عن الخشوع في الصلاة بالتفكير في البنطال (٢) أن يُفسد كيَّه السجودُ، ويخوّفني أن تذهب صحتي بقطع المنام لصلاة الفجر أو صيام أيام الحر من آب، وأن أخسر حسن رأي الناس فيّ إن جهرت بقولة الحق أو أن ينالني من ذلك أذىً في جسدي أو في رزقي! فوجدتني الآن أخسر الناس، إذ بعت النعيم الباقي، بهذا الوهم الزائل (٣)؛ كزنوج إفريقية الذين يعطون

(١) القاعدة أن الباء تدخل على المتروك؛ أي: ما الذي تركت عملي الصالح من أجله؟ (مجاهد).
(٢) البنطال: تعريب بنطلون.
(٣) هذا كله من باب ضرب المثل بالنفس، وكل قارئ لبيب يدرك أنه من خيال المؤلف؛ فلم يحصل أبدًا أن خاف علي الطنطاوي على نفسه أو =

1 / 289